شمس الشموس
  هود عليه السلام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنتقل النور إلى هود عليه السلام

عاش أبناء سام عليه السلام في مكّة في جزيرة العرب لمدّة 800 سنة . بقيت  ذكرى الفيضان الذي حلّ في زمن نوح عليه السلام  حيّة فيهم , فسابروا على عبادة الله عزّ وجلّ ولم يجعلوا له شريكا . لكن مع مرور الزمن , وكما حصل مع أبناء آدم عليه السلام , نسوا كلّ شيء وأصبح الطوفان في ذكرى كان , وعادوا للإشراك بالله عزّ وجلّ .

سكنت مجموعة من أبناء سام عليه السلام في شمال الجزيرة العربية وسمّوا أنفسهم عاد . كانوا مجموعة من البشر ذو الجثث الضخمة والأخلاق الشرسة . كان أبناء هذه القبيلة يعتدوا على الناس الضعفاء  ويستعبدوهم  ويجعلوهم يقوموا بمختلف الأعمال الشاقة , بينما كانوا يجلسوا كسالى دون عمل . عبد قوم عاد ملكهم وكانوا يقدّموا له الذبائح البشرية من العبيد الذي يملكوهم .

 إكتشف رجل من قوم عاد الذهب بينما كان يصطاد في أحد الأنهر  . فصنع منها الحلى والتماثيل فأخذ الناس يسجدوا لهم بسبب جمالهم الباهر .

ولد في العائلة الحاكمة , لهذا القوم الذين نسوا ربّهم , ولد من سلالة نوح عليه السلام . دعي هذا الطفل هود عليه السلام لأنّه لم يكن كأفراد قبيلته . فقد كان لطيفا وذو أخلاق طيبّة . لكن أيّ من أفراد قبيلته لم يستطع أن يرى النورالمحمّدي الذي يشعّ من جبهته مع إنّه كان ساطعا كالشمس .

عندما كان هود عليه السلام مازال صبيا كان يترك الحفلات والإحتفالات الدينية عند قومه ويأوي إلى مغارة في الهضاب ليتفكّر ويصلّي . في الأربعين من عمره ظهر عليه الملاك جبريل عليه السلام ليخبره بأنّه سيكون نبيا عظيما . فكان عليه أن يعلّم شعبه الرجوع إلى الله عزّ وجلّ . لكن جبريل عليه السلام نهاه أن يظهر أيّ معجزة أمام قومهم لأن ذلك سيؤدي إلى نهايتهم .

كان هود عليه السلام يتعاطف كثيرا مع العبيد . فهم يعملوا طول النهار ويعاموا معاملة سيئة, بالرغم من أن أسيادهم كانوا يجلسوا مكتوفي الأيدي . بالإضافة إلى ذلك فقد كانوا لا يحصلوا إلاّ على قليل من الطعام ويتعرّضوا للضرب المبرح . إعتاد هود عليه السلام العيش معهم ووجد في قلوب الكثير منهم الحب ,التواضع والعطش إلى معرفة الحقيقة . أخذ هود عليه السلام يعلّمهم عن الله عزّ وجلّ فإستمعوا له , وأخذوا يخطوا الخطوات التي كان يعلّمهم إيّاها نبيّهم هود عليه السلام .

إنتاب القلق عائله النبي هود عليه السلام عندما سمعوا بأن إبنهم يعيش مع العبيد , ويفترش معهم الأرض, ويأكل من أكلهم المزري . لذا ذهبوا إليه وأجبروه أن يتصرّف كمالك للعبيد لا كعبد . فخيّروه بين جلد أحد العبيد , والذي كان صديقا حميما له , وبين حياته . ترجّى العبد النبي هود عليه السلام أن يجلده , فقد كان أهون عليه أن يجلد من أن يخسر نبيه .

بدأ هود عليه السلام بضرب صديقه . لكن بالرغم من قوّة ضرباته التي ممكن أن تقتل أيّ إنسان لم يشعر صديقه بأيّ أذى . حتّى هذه الضربات لم تترك أيّ أثر على جسد هذا العبد المتواضع  . لقد كانت معجزة. لكن بالرغم من ذلك لم يأبه قوم عاد ولم يتغيّروا . لذا فإنّ كلمة الله كانت يجب أن تأتي لتحقّ الحقيقة .

ضحك القوم على هود عليه السلام وذهبوا أدراجهم . عندما سمع الملك بأنّ هود عليه السلام يعلّم قومه بأنّ هناك جنان في السماء قرّر أن يبني جنّة لنفسه ليري الناس بأنّ جنّته  معه على الأرض . عمل العبيد لمدّة عشرين سنة ليبنوا هذه الحديقة الجميلة  والتي كانت تدعى إيرام .

 شعر قوم عاد بمزيد من الغرور والغطرسة . فقد أحسّوا بأنّهم أفضل من أي شخص آخر لأنّهم كانوا يعيشوا في حديقة غنّاء بينما كان الآخرين في مختلف أنحاء الجزيرة يعيشوا في الصحراء . عندما وصل كبرياءهم إلى أعلى حد أوقف الله عزّ وجل عنهم المطر . لم يتساقط المطر لمدّة سبع سنوات . فذبل الزرع وماتت الماشية وجاع الناس . لم يتأثّر العبيد بهذه الحال لأنّهم إعتادوا على العيش بأقل إمكانيات ممكنة ولأنّ نبيّهم هود عليه السلام كان بينهم يمدّهم بالنور والقوّة .

أمر ملك عاد شعبه أن يصلّوا لآلهة المطر . فظهر في الأفق ثلاث غيمات . الغيمة الأولى كانت بيضاء وصدر منها صوت يقول " إختاروني وسوف أمطرعليكم الحيايا والعقارب " . أمّا الغيمة الثانية فكانت حمراء وقالت" إختاروني وسوف أمطر عليكم النار " . أمّا الغيمة الثالثة فكانت سوداء وقالت لهم "إختاروني وسوف أمطر عليكم ريح صرصر " . لم يفهم قوم عاد قول الغيوم لكن,المؤمنين فهموا ما يقال .

إختار قوم عاد الغيمة السوداءلأنّهم كانوا متأكّدين بأنها الغيمة التي ستمطر عليهم مطرا . ترجّى هود عليه السلام شعبه أن يستمعوا لله عزّ وجلّ الذي خلقهم والذي سينجيهم بالرغم من سؤ أعمالهم . لكن كبرياءهم جعلهم متأكّدين بأنّها الغيمة الصحية وطردوا هود عليه السلام .

ذهب هود عليه السلام مع المؤمنين إلى كهف في التلال وأغلق الباب بالحجارة ودعاهم جميعا للصلاة .

إقتربت الغيمة السوداء رويدا رويدا , فدبّ الخوف في القوم . عصفت ريح صرصر لمدّة سبع أيّام أحرقت الناس وأذابت ممتلكاتهم الذهبية . وخرج من الغيمة مخلوقات كبيرة كالطيور مزّقت الناس إلى إرب ونزعت قصورهم من مكانها ورمتها لتصبح قطعا صغيرة .

عندما إنتهى كلّ شيء لم يبقى أيّ أثر من عاد ,سواء أكان بيوت , قصور أو أشجار  . لكن الحديقة الجميلة من إيرام والتي بنيت من قبل المؤمنين لم يمسّها سوء وحفظها الله إلى يوم القيامة حيث ستظهر ثانية  . لذا ففي بعض الأوقات وعندما يتنقّل مؤمن في الصحراء وبأمر من الله يتعثّر بهذه الحديقة الجميلة . لكن مهما حاول جاهدا أن يفتّش عليها فإنّه لن يجدها مجددا .

أخذ هود عليه السلام المؤمنين وتركوا ذاك المكان الموحش . توجّه هود عليه السلام بهم إلى مكّة حيث سكنوا هناك . توفي هود عليه السلام عن عمر يناهز 150 سنة , ودفن في مكان ما قرب ما يسمّى الآن بالكعبة .

فاليبارك الله عزّ وجلّ هود عليه السلام وليمنحه السلام .      

 
  3011436 visitors