حدث يوماً أن كان مولانا جلال الدين الرومي ماراً مع مريديه في أحدالأسواق، وإذا بهم يلتقون بكاهن نصراني يأتي من الجهة المقابلة. عندمالاحظ الكاهن قدوم مولانا جلال الدين فإنه أحنى رأسه احتراماً. إلا أنمولانا رد التحية بأفضل منها فانحنى بكل جذعه احتراماً للكاهن. هذه تربيةجيدة لنا من مولانا جلال الدين. لأننا وإن كنا لا شيء فإننا نظن أنفسناشيئاً. كان مولانا يعلم ما في نفوس مريديه كما كان يعلم أن الناس ستعلّقعلى تصرفه بالقول : مولانا ينحني لكاهن؟ ما معنى هذا التصرف؟ فهذا السلوكربما خالطه كفر. الوهابيون طبعاً سيسارعون إلى القول : هذا كفر… بنفس المعنى لو جاءني شخص محترم ووقفت له فإن الوهابيين سيتهمونني بالشرك. بل علينا في رأيهم أن نبقى جالسين. حقيقة الأمر أنهم لا يعرفون الأدب. وهملا يعرفون بسوابق عدة للرسول منها حديث شريف ورد في صحيح البخاريمفاد الحديث أن الرسول () كان يوماً مع صحابته جالسين في الشارع عندما مرت جنازة. وما أن اقتربت الجنازة حتى وقف الرسول احتراماً لها، وقد فعل أصحابه مثله إلا أنهم علّقوا بشيء من الاستحياء بأن الجنازة ليست لمسلم بل لمشرك. بالطبع افتراض الصحابة بأن الرسول () لا يعلم عن الميت كان نقصاً في الأدب، إذ كيف تعرف أنت والنبي () لا يعرف؟ وهو كان حقاً يعلم حقيقة المتوفي. لكن الله تعالى أراد من الحادثة أن تصلنا أيضاً فتكون تربية لنا. لقد قال له أصحابه : يا رسول الله أنها جنازة مشرك. فماذا كان جواب الرسول ()؟ قال لهم : لكن برفقته ملائكة الموت. وما عناه بذلك أني أقف احتراماً لأن ملائكة الموت ترافق الجنازة.لكن ماذا عنا نحن أهل الزمان؟ الله عز وجل يقول (إن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين) (الانفطار : 10 و11) أي أنه ينبهنا إلى أن مع كل إنسان ملائكة رفيعي المقام يرافقونه ويسجلون أعماله. لو قدمتم إلى مجلسي وكان بينكم عصاة فإنهم سيأتون ومعهم ملائكتهم أيضاً، لذا فإن من حقي أن أقف لكم. إن لم تستطيعوا احترام هذا الإنسان العاصي فإن من واجبكم احترام الملائكة الذين معه. لكن هؤلاء الوهابيين لا يفهمون الفرق بين الأدب والاحترام وبين العبادة. لهذا انحنى مولانا جلال الدين لذلك الكاهن. بعدها استوى قائلاً "الحمد لله" وأضاف لمريديه القول أننا كمسلمين علينا في كل مناسبة وفي كل موقف أن نكون الأولين والآخرين. علينا أن نكون دوماً متقدمين. لقد أظهر ذلك الكاهن تواضعه واحترامه لي، لكني أظهرت احتراماً يفوق احترامه بحيث يكون تواضعي أكمل من تواضعه واحترامي أعلى من احترامه. ماذا عنا نحن؟ لقد أضعنا كل القيم التي جاء بها الإسلام للبشرية. كل شيء أصبح بضاعة لها تاريخ صنع. بعد انقضاء التاريخ لا بد من رميها. قيمنا تلك أصبحت قديمة في عرف أهل الزمان لذلك فإنهم يرمونها جانباً. الرسول () ضرب لنا مثلاً في الاحترام. مولانا جلال الدين ضرب لنا مثلاً كيف نكون متقدمين وأولين في الاحترام. لكني سأقص عليكم حادثة جرت لي حول الموضوع نفسه. مرة كنت مع مولاي الشيخ أعلى الله سره السامي ورأيت حجراً في الطريق. ورفع الحجر عن الطريق سنة. لكني لم أجد الهمة لأرفع الحجر بيدي وألقيه جانباً فأزحته بقدمي إلى أن ألقيته على جانب الطريق. عندها خاطبني مولاي الشيخ بالقول : ناظم أفندي. لا تفعل ذلك ثانية. ألا تعلم أن هذا الحجر ليس موجوداً لوحده؟ ألا تعلم مع من وبمن هو موجود؟ عندها عدت وأخذت ذلك الحجر فقبلته وأعدته إلى مكانه. كلام مولاي الشيخ كان موجزاً لكنه كان درساً بليغاً في الأدب. إذ قال "مع من وبمن هو موجود؟" أي هل أن هذا الحجر موجود بذاته أو بالله. لو كان موجوداً بدون الله فذلك يعني أن ذلك الحجر أوجد نفسه وهذا محال. فلا شيء يمكنه أن يخلق نفسه. الله وحده هو الخالق. لذا فإن كل شيء موجود بالله. وهذا في الواقع يجعلني أفكر أكثر لماذا يقف الرسول لجنازة المشرك كما أنه يجعلني أفهم لماذا ينحني مولانا جلال الدين للكاهن. لكننا لم نعد نفعل هذا وقد فقدنا القيم التي التصقت بالإسلام الحقيقي. وعندما فقدنا قيم الإسلام فإننا أصبحنا مثل طعام انتهت صلاحيته. أيها المسلمون ما هي قيمتكم اليوم في مواجهة غير المسلمين؟ لا شيء. في الحقيقة لا أعرف كيف نصنف أنفسنا؟ العالم غير الإسلامي ينظر إلينا كشيء لا قيمة له. عرب أتراك عجم، كلهم في نظرهم لا قيمة لهم. يختلفون فقط في تصنيفات الكراهية. بعضهم أكثر ما يكرهونه هم الترك ثم يأتي العرب ثم العجم. بعضهم يكره العجم ثم العرب ثم الأتراك. بعضهم يكره العرب أولاً ثم العجم ثم الأتراك. ألزموا احترام كل إنسان. لأن الله أمرنا بذلك. وكان سلطان العارفين أبو يزيد يقول حتى لو رأيت كافراً فإني لا أرى نفسي فوقه لأني لا أعرف كيف ستكون عاقبته وكيف ستكون عاقبتي. لأنه في آخر يوم قد ينتهي مؤمنا وقد انتهي غير مؤمن. أي مقام نكون فيه قد يكون مؤقتاً. ولا أحد يعلم ما ستكون عليه عاقبته. لذا لا يأخذكم شعور العزة فوق أي إنسان.
3100216 visitors
الشيخ محمد عادل الرباني
طريقتنا إحترام الكل
( الشيخ ناظم الحقاني ( ق
طريقتنا الصحبة والخير في الجمعية ـ طريقتنا تحمل الاضداد
( الشيخ عبدالله الدغستاني ( ق
أجَلُّ الكَرامات دَوامُ التَّوفيق طريقتنا تحمل الاضداد