إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
24 فبراير 2011
(مولانا يرحب بالضيوف الكرام، وهم سمو الأمير ومرافقيه ومن بينهم سيد من أهل البيت الكرام).
طريقتنا الصحبة والخير في الجمعية. وما وصل الصحابة الكرام إلى ما وصلوا إليه من مراتب لم يصل إليها سائر الناس، إلا ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم. وطريقتنا الصحبة، وليست فيها بدعة، أبداً. كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس أي مجلس، سواء كان في البراري أو في الأحراج أو أي محل يجد فيه أناساً جالسين. كان يجلس ولا يسأل عن مقعد يجلس عليه، ولا ينتظر من الناس أن يرحبوا به أو أن يقوموا تعظيماً له، لأنهم كانوا آنذاك في عهد الجاهلية. والرسول عليه الصلاة والسلام بعث معلماً للناس؛ "معلم الناس الخير". الألف لام في"الناس"، للتعريف. وأنواع (ال) التعريف ثلاثة: 1- للجنس. 2- للاستغراق. 3- للعهد.
"معلم الناس"؛ (ال) التعريف في "الناس" يشير على جميع البشر، الذين يدخلون تحت مظلة الإنسانية. وهو صلى الله عليه وسلم معلم الناس من الأولين إلى الآخرين، وليس فقط في زمنه. رسالته ليست مقيدة بزمن معين وليست محدودة. وإنما متى وجد الناس على وجه الأرض، فهو معلم من ذاك الوقت. من كان معلم سيدنا آدم عليه السلام؟ كان هو عليه الصلاة والسلام. {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، (البقرة 31). فالآية الكريمة لم تبين صراحة من علمه، وإنما قال، {وَعَلَّمَ}. فمن كان؟ .. من كان معلم الناس؟ هو، عليه الصلاة والسلام. معنى هذا أن وجوده عليه الصلاة والسلام بدأ قبل ظهور وجود سيدنا آدم عليه السلام. فوجوده عليه الصلاة والسلام في عالم "الناسوت" لا أول له ولا آخر له.
هناك عالم "الناسوت" وهناك عالم "اللاهوت". وهذا الآخر لا يدخل فيه أحد، ولا يوجد إذن لأحد أن يدخله. وهو عمىً مطلق، لا تعريف عليه ولا يمكن وصفه. "كان في العماء" .. ما من أحد يعرف حقيقة عالم "اللاهوت".ويوصف هنا بـ"العالم" للتعريف لنا فقط، فلا يجوز أن يقال عنه "عالم".
"كنت كنزاً مخفياً فأردت أُعرف فخلقت الخلق ليعرفوني" .. "كنت" .. منذ متى؟ "كنت" أو كان، إشارة على القدم. كان وصار لهما نفس المعنى. ولكن "كان" له سبحانه تعالى و"صار" للمخلوقات. الله أكبر! نحن لا نعرف شيئاً .. ولكن أحياناً يأتيني واردات .. وإلا فأنا لا أعرف شيئاً لكي أجلس وأتحدث معكم. ولكن سبحان الله! عندما يأتيني (تلك الواردات) يجب أن أحكي، وهذا أمر!
"كنت .." إشارة إلى أزليته سبحانه وتعالى، (مولانا يقف) سبحانك يا رب سلطانك يا رب .. من الأزل إلى الأبد، (مولانا يجلس). "كنت كنزاً مخفياً فأردت أُعرف فخلقت الخلق ليعرفوني". أليس هكذا الحديث القدسي؟ .. هذا حديث قدسي وليس كلامنا، صدق الله العظيم .. أمان يا ربي. هذه الكلمات تأتي محملة بالقوى الروحانية .. تنزل بقوة .. لا يمكن تحملها!! .. أين كانت وجهتنا عندما جلسنا ومن أي جهة فتح لنا! .. "كنزاً" نكرة. هناك نكرة وهناك معرفة، أليس كذلك؟ كنز .. ما هو الكنز؟ .. ما تعرفونه صندوق من الحديد توضع فيه أشياء ثمينة. سبحان الله العلي العظيم! .. والتنوين للتعظيم على الدوام. لم يقل، "كنت الكنز المخفي"، وإنما قال، "كنت كنزاً مخفياً". ولم يزل ولا يزال كنزاً مخفياً .. والتنوين للتعظيم.
"فأردت أن أُعرف" .. لربنا جل وعلا صفة الإرادة. بإرادته .. منذ متى أراد؟ منذ الأزل، إشارة إلى أزليته. "فأردت أن أُعرف" .. نحن نحاول ونجتهد أن نفهم شيئاً عن الأزل، وأما عن أزليته المطلقة فلا مجال لأحد أن يعرفها. إذن إرادته، منذ متى؟ منذ أزليته سبحانه وتعالى .. هوو .. "فأردت أن أُعرف" .. الله أكبر! ولم يزل إرادته أن يُعرف.
"فخلقت الخلق"، منذ متى؟ ما هي صفة ربنا جل وعلا؟ هو "الخلاق العظيم". كل صفة لربنا جل وعلا أبدي أزلي. "فخلقت الخلق" .. من أسمائه "الخلاق العظيم". فكيف يكون سبحانه وتعالى خلاقاً عظيماً بدون خلق الخلائق؟ وصفة الخلق أزلي .. هذا الخطاب لا يمكن لأحد أن يفهمه، إلا نبي آخر الزمان، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقف ثم يجلس). الله أكبر
ما الغاية في خلق الخلق؟ وما العلة؟ فكل موجود له سبب أو علة لوجوده .. سبحان الله! .. خلقت الخلق .. لأي شيء؟ "ليعرفوني" .. الله أكبر! يقدر الإنسان على حسب مرتبته في العلم. مثلاً حضرتك سيد (يوجه كلامه للضيف وهو من آل البيت). من يعرف حقيقة سيادتك؟ .. هو لا يعرف حقيقته بعد ولكن يعرف ما هو أصله.
"وخلقت الخلق" أي جنس الخلق. و(ال) التعريف، كما قلنا سابقاً يشير إلى هذه الأنواع الثلاثة؛ الجنس، الاستغراق والعهد. وهنا (ال) التعريف يشير على الخلق، من الأزل إلى الأبد. أين كان الخالق قبل خلق العوالم؟ وأين كان الخلق؟ كلامه سبحانه وتعالى أزلي أبدي. أي أنه يشير على أزليته وأبديته وقيوميته .. أبدي أبد .. من الأزل إلى الأبد. الله أكبر! .. وهو الأزل وهو الأبد .. الله أكبر!
يا عباد الله! .. ما أسهل على الجهلاء أن ينسبوا أحد العباد بالإشراك، ويقولوا له، "أنت قد أشركت" .. ما هذا؟ .. لمن يشرك؟ ومن يشرك؟ .. هل يوجد له في أزليته شريك؟ .. وهل يوجد له في أبديته شريك؟ .. من نحن حتى نكبر حجم الأشياء وننسب لبعضنا البعض الشرك ونكفر بعضنا البعض؟ .. عجايب! .. عجايب! وهو لا شريك له، والخلق خلق الله. "الخلق خلقي وأنا خلقتهم وأنا لا شريك لي" .. يا سيد! يوجد أشياء لو قمت باستعمال كل الأقلام الموجودة لإحصائها ما كفى .. ولذا يقول الحق سبحانه وتعالى،{قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}،(الكهف:109). ولو مده بسبعة أبحر آخر. مهما يكن خلق الله كبيراً وعظيماً فهو يضمحل أمام عظمة الرب ويغيب عن الوجود ولا يترك أثراً. نحن في أدنى مرتبة. لو استعملنا كل الأقلام التي في الوجود لكي نكتب كلمات الله .. الله أكبر! .. الله أكبر يا سيد! .. لا أول له ولا آخر له. والإنسان من أعجب المخلوقات. وأعجب العجب الفهم الذي وضع في الإنسان، ولكن ماذا نفهم نحن؟ ومع ذلك، لو حاولنا أن نكتب ما فهمناه، فلن يكفينا سبعة أبحر أن نستعمله كمداد لكتابة كلمات الله.. ولو زدناه إلى سبعين إلى سبعمائة إلى سبعين ألف إلى سبعين مليون إلى سبعين مليار من البحور لن تنتهي كلمات الله. الله أكبر وأجل! العظمة لله .. الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! إن هذا الحديث الذي نحن بصدده ما هي إلا واردات تأتيني، ليس لها نهاية. فالواردات التي ترد لعباد الله لا تنتهي أبداً، ولن تعرف أوله من آخره. كما تقول الآية الكريمة، {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، (هود:108). الله أكبر! لو سمع الناس كلمة واحدة منها لسكروا ولتركوا كل شيء، ولغرقوا في بحر "الوحدانية" .. يا شيخ! لا يكفي بحر واحد .. الله أكبر! .. وإنما بحور "الوحدانية" ..
عصرنا هو عصر الجاهلية الثانية. ولم يبق للناس الذين يعيشون في هذا العصر فهم صحيح. والفهم عطاء من الله لعباده. وإذا لم يعطِ الله عز وجل الفهم فلن يفهم أحد شيئاً. سبحان الله! والناس يحتاجون في هذا الزمن إلى فتح. أستعيذ بالله، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}، (الفتح:1). فتح مكة؟ وما هي مكة؟ .. من المخاطب ومن المتكلم؟ هذا قول الله سبحانه وتعالى، والنا الدالة على الفاعل، وهي بصيغة الجمع جاءت لتدل على العظمة. وليست بمعنى الجمع، وإنما هي إشارة لعظمة الرب جل وعلا. {إنا فتحنا لك}؛ "لك" لمن يدل كاف المخاطبة؟ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن هو الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ينال مخاطبة ربه جل وعلا بكلام أزلي ويقول له، "إنّا فتحنا لك يا محمد صلى الله عليه وسلم (مولانا يقف ثم يجلس)، فتحا مبيناً؟" .. ما هو ذاك الفتح المبين؟ .. هل أغلق بابه وانتهى؟ .. بل هو فتح مستمر. فالصفات الإلهية مستمرة غير منقطعة ولا نهاية لها .. مستمر من الأزل إلى الأبد. ما هو الأزلي؟ وما هو الأبدي؟ هل هما واحد أم اثنين؟ .. لا إثنينية. هناك فقط "الوحدانية" .. هل تفهم؟ .. ما هو هذا الفتح يا شيخ؟ قال الله جل وعلا هذا الكلام لحبيبه صلى الله عليه وسلم في أزليته، وقد نزلت تلك الآية الكريمة في الدنيا. ولكن هل كان هذا الفتح في الدنيا أم في أزليته؟ القرآن الكريم كلام أزلي. معنى ذلك، إن كان الخطاب الموجه من الحق جل وعلا لحبيبه أزلياً، فلا بد أن يكون حبيبه صلى الله عليه وسلم أزلياً أبدياً .. الله أكبر
سُئل سيدنا علي رضي الله عنه، "كيف ربك يا علي؟" فأجاب علي، "الذي كيف الكيف لا يُسأل عنه بكيف!". فأفحم بهذا الجواب علماء اليهود .. الله أكبر! كان هذا الجواب بمثابة قنبلة لهم. وله شؤون .. ولله شؤون .. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ}، (الرحمن:29). شؤون يشير على الجمع. وهي شؤون أزلية أبدية. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ}، شأن الله! .. يا عباد الله، الله يفتح عليكم! .. نفوسنا تتوق وتطلب الأشياء الدنيئة. ولكن رب العزة وحبيبه صلى الله عليه وسلم أرحم بنا منا، حيث أن هؤلاء (الضيوف الكرام)، جاءوا من البلاد المقدسة وهم من أبنائه صلى الله عليه وسلم ومن أمته. جاء هذا السيد لزيارتنا، ففتحوا لنا هذا الباب. لذا لا تسألوا عن مثل هذه الأشياء. دعوه سبحانه وتعالى يهيئ الأسباب كما يشاء .. يا سيد أتعبناك! ولكنك لن تجد مثل هذا النبع ولو بحثت بين المشارق والمغارب، فقلّ من يتحدث بمثل هذا الكلام وقلّ من يفهمه .. سبحانه وتعالى. الله يفتح عليكم! .. الله يفتح عليكم! مذاكرة الدنيا ليست لنا .. هي ضياع لنا وهدر لوقتنا. لذلك تركوه وأوصلوا إلى قلبي ما يفتح لكم فتحاً مبيناً، كلٌ حسب مقامه. نحن لا نريد أن نكون ملوكاً ولا نواباً ولا أمراء ولا هذا أو ذاك. نريد فقط أن نكون عباداً لله سبحانه وتعالى.
"كنت كنزاً مخفياً فأردت أُعرف فخلقت الخلق ليعرفوني". حاولوا جهدكم يا عبادي، لتعرفوني .. لأنكم كلما ازددتم معرفة كلما ارتفعت مقاماتكم ومراتبكم لدينا. الله أكبر ولله الحمد! .. نحن لا شيء .. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا وأن يزيدكم علماً وحلماً.
وضع الناس في مكان له أربعة أضلاع، ولكن نسبة إلى ذلك المكان هم كالجراثيم؛ صغار جداً. وعندما ينظرون حولهم ويرون أنفسهم قد وضعوا في ذلك المكان الشاسع يعملون جهدهم ليتعرفوا على هذا المكان ويسبروا حدوده. ولكن ربنا جل وعلا لا حد له ولا ند له! .. أراكم مستعدين لأن تسمعوا هذا الكلام، ولكنني أحب أن يسجل هذا ويحفظ. لأنه إذا لم يسجل ويحفظ فإنه سيتلاشى ويتبخر كما يتبخر البخار.
يقولون، تبحر في العلم. بحور العلم .. بحور العلوم.. الله يعفو عنا ويغفر لنا .. سبحان الله، كما يحب ربنا ويرضى .. كنا نفكر عن أشياء تتعلق بالدنيا، ولكنهم صرفوا همتنا إلى معرفة الله. وكان حديثنا هذا من جملة معرفة الله. قد يكون موجوداً في الكتب وقد لا يكون. قد يوجد من يفهم مثل هذا الكلام في الدنيا وقد لا يوجد من يتحدث عنه أو يفهمه. والقيامة قد قربت، يا سيد! فاجتهدوا حتى تنالوا من مقامات القرب. إذا فتحنا عن مقامات القرب فإننا سنخوض في مجال لا حد له ولا عد، كما يقول ربنا سبحانه وتعالى {وَلِكُلّ دَرَجَاتٌ}، (الأنعام:132). درجات بدون (ال) التعريف. ومن المقصود {وَلِكُلّ}؟ المقصود، من بني آدم وغيرهم. لكل إنسان درجة. هنا لم يبين وإنما ترك، وقال {وَلِكُلّ دَرَجَاتٌ}. فأي شيء سيكون خارج كلمة "كل"؟ فـ "كل" يحتوي من الأزل إلى الأبد. ومفهومنا نحن، عن لأزل والأبد ليس له قدر أو قيمة في بحر أزليته وأبديته. الله أكبر!
يا عباد الله! علينا أن نحاول جهدنا لننال القرب من حضرة الحق جل وعلا. كل إنسان يرغب أن يكون مقرباً للملك أو السلطان وأن يكون من حاشيته. ولكن لماذا لا يعملون جهدهم ويسعون سعيهم لينالوا القرب من الله؟ فالتعليم الحق هو أن نسأل ونطلب مقامات القرب. ومنازل القرب لا تنتهي. وكذلك طريق الوصول ليس له نهاية. ومقامك الذي تحب أن تصل إليه لن يصله أحد غيرك. فمقامات القرب لا يحد ولا يعد. ومن الله التوفيق .
الله الله الله الله الله الله عزيز الله
الله الله الله الله الله الله كريم الله
الله الله الله الله الله الله سبحان الله
الله الله الله الله الله الله سلطان الله
سلطان الأزل سلطان الأبد.
دعنا نغلق الباب الآن وإلا تشوشت عقولكم. كانت تلك واردات، ولم يكن علماً من الكتب. وإنما واردات من أهل عالم الملكوت .. الله يزيدكم! .. الله يفتح عليكم! .. ومن البشارات أن من يستمع لعباد الله الصالحين ويتقبل كلامهم، سوف يصل إلى المقامات التي ذكرت في حديثهم. ويكون من أصحابها .. الله يفتح عليكم! .. الله يفتح عليكم! أستغفر الله. الفاتحة.
ومازح أحد الحاضرين من الشركس بقوله، وهو يعانقهم فرداً فرداً، هذا الشركسي ما علمني إلا كلمة واحدة بالشركسي "طس" أي إجلس .. الفاتحة.