شمس الشموس
  العبدية والعبودية
 
بسم الله الرحمان الر حيم

العبدية والعبودية


أبا يزيد البسطامي الملقب "سلطان العارفين" يفضل أن يقال
له "عبد الله". هو يفرح أن يقال له "عبد الله" لأن كلمة "سلطان" تشير إلى العظمة. وهو في غاية التواضع. لكن نحن فرحين أن نقول له سلطان العارفين. نقول له "سلطان" لكن خاطره أن نقول له "عبد الله". الله أكبر. الله أكبر. ولا توجد رتبة أعلى للإنسان من أن يقال له عبد الله. للنبي عليه الصلاة والسلام مئات الأسماء والألقاب. وهو كان يفرح أكثر ما يفرح أن الله سماه (بسم الله الرحمن الرحيم : سبحان الذي أسرى بعبده). لم يقل بمحمد أو بأحمد أو بمصطفى أو بمرتضى أو شفيع الأمة
سماه ربه بعبده. عبده الخاص. وهو الحامل الصفات الكاملة للعبدية. العبودية شيء والعبدية شيء آخر. في العبودية يكون الإنسان عابداً.

 

          لكن في العبدية أمر آخر. في العبودية. كل إنسان ينال بسهولة أن يكون عابداً لربه. الذي يؤدي الفرائض يكون عابداً. لكن عبد الله هو الذي لا يخطو خطوة خلافاً لمرضاة الله. هو الذي يكون لله فقط وليس للغير. (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) لا شريك له. النفس في الإنسان تسعى على الدوام لأن تجعلك تحت قيادتها وطاعتها وسلطانها. أي أن تكون مملوكاً لها. مثل هذا الإنسان لا أمل له. في كل حال من الأحوال تحت إرادة نفسه. صفة مثل هذا الإنسان هي (ثم آمنوا ثم كفروا). أحياناً نطيع ربنا وأحياناً نعصيه. أحيانا نتوجه لربنا جل وعلا وأحياناً نترك التوجه إلى حضرته ونتبع الشيطان. الذي يتوجه إلى غير حضور الله يكون قد أشرك. جعل نفسه شريكاً لربه أو إلهاً له. حيث يقول ربنا جل وعلا

 

(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) (الجاثية: 23) الهوى من النفس. هوى النفس. الذي يتبع هوى نفسه فقد هوى، فقد هلك. لو أدركه الموت وهو تابع لنفسه انتهى. يكون من أهل النار.

 

          لذا فإن مراقبة الإنسان لنفسه على الدوام واجب. عندما يخطو خطوة على طريق الخطأ يجب عليه أن يصحح. فلا يبقى على خطئه أو يصر عليه. المؤمن لا يليق به أن يكون غافلاً بل واجب المؤمن أن يكون يقظاً على الدوام. كلما أدرك خطأ من نفسه عليه أن يصحح. يقول "استغفر الله تبت ورجعت إليك يا ربي". يقول الشيطان عليه ما يستحق "أهلكت بني آدم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار". هو يسعى وراءنا ليلا نهاراً. يقول سيدنا شاه نقشبنده "ما وجدت الشيطان غافلاً ولا لحظة من أمره" لإهلاك الأمة بأن يجعلهم من الكافرين أو من العصاة أو المنحرفين".

 

          على الدوام الشيطان وراءنا. وهو يفرح كلما تبعه إنسان. يفرح كلما ارتكب إنسان ذنباً أو خطأ. لكن هو يقول أهلكت بني آدم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار. الله جل وعلا فتح باب الاستغفار الحق أمام عبده ليخلصه من قبضة إبليس والأبالسة والشياطين.

 

          النبي صلوات الله عليه كان يقول أنا أستغفر ربي كل يوم سبعين مرة. الرسول وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر ربه سبعين مرة كل يوم فما بالكم أنتم وكم مرة في اليوم يجب أن تستغفروه؟ سبعين مليون استغفار قد لا تكفي. لو قلنا استغفر ربك سبعين مرة. يقول الجهال لماذا الاستغفار بالعدد؟ يا هو! الحكيم يعطي الدواء بمعيار وبالعدد. وأنت لا تعارضه. عندما تقول له ذكر بالعدد يظهر معارضة كبيرة. وغير لازم أن تمسك مسبحة بيدك. إمساك المسبحة بيدك يذكرك. لو تركتها جانباً فإنك ستقول كم مرة ثم تنسى. هذا تذكير للمؤمن أن يذكر وأن يكون مع الله جل وعلا. كن مع الله. كن مع الله. كلما كنت مع الله فإن الله معك. الله يؤيدك ويحميك ويحفظك ويسعدك دنيا وآخرة. الآن أصبحوا يتركوا المسبحة في المساجد. لأنه عيب أن يمسك بمسبحة في الخارج. لأنه يكون "متخلفاً" أو "رجعي"

 

في مقام مولانا أبي يزيد البسطامي حلب 27/5/1998

 
  3100199 visitors