بسم الله الرحمان الرحيم
مولانا جلال الدين البلخي الرومي
هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين بلخى (1207م -1273م) المعروف بمولانا جلال الدین الرومی. أديب وفقيه ومنظِّر وقانوني إسلامي صوفي. عرف بالرومي لأنه قضى معظم حياته في منطقة تسمى "الروم" في تركيا الحالية.
وحين وفاته في عام 1273م، دفن في قونية واصبح مدفنه مزارا إلى يومنا. وبعد مماته، قام أتباعه وإبنه سلطان ولد بتأسيس الطريقة المولوية الصوفية والتي اشتهرت بدراويشها ورقصتهم الروحية الدائرية التي عرفت بالسمع.
مكان ولادته ولغته الأم تدل على أصول وثقافة أساسية فارسية. وكتبت كل أعماله باللغة الفارسية الجديدة والتي تطورت بعهد النهضة الفارسية في مناطق سيستان و خرسان و بلاد ما وراء النهر والتي حلت مكان العربية في القرن الحادي عشر ميلادي. وتمت ترجمة أعماله إلى لغات عديدة ومنها العربية، والتركية واللغات الغربية. وكان تأثيره كبير على ثقافة الفرس وثقافات الأوردو والبنغالية و التركية. ووصفته البي بي سي بأشهر شعراء أميركا..
نسبه و حياته
ولد في منطقة بلخ في خراسان من أعمال ایران وما يعرف حالياً بأفغانستان في 6 من ربيع الأول 604هـ الموافق لـ 30 من سبتمبر 1207م. ويَعتقد بعض أتباعه أنه ولد في مدينة صغيرة تسمى واخش في طاجيكستان الحالية. قيل أن نسبه ينتهي إلى أبي بكر الصديّق. وحينها" كانت أبلخ تابعة لأمبراطورية الخوارزم الخرسانية وكانت عائلته تحظى بمصاهرة البيت الحاكم في "خوارزم". كانت أمه مؤمنة خاتون ابنة خوارزم شاه علاء الدين محمد. وكان والده بهاءالدين ولد يلقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم بالدين والقانون والتصوف.
وعند قدوم المغول، هاجرت عائلته هربا إلى نيسابور، حيث التقى الرومي هناك الشاعر الفارسي الكبير فريد الدين العطار، الذي أهداه ديوانه أسرار نامه والذي أثر على الشاب وكان الدافع لغوصه في عالم الشعر والروحانيات والصوفية. ومن نيسابور، اتجهت العائلة إلى بغداد حيث التقوا العديد من علمائها وصوفييها. وهناك لقب بجلال الدين. ثم تابعوا الترحال إلى سوريا ومنها إلى مكة المكرمة رغبة في الحج. وبعدها، واصلوا المسير إلى الأناضول واستقروا في كارامان لمدة سبع سنوات حيث توفيت والدته. وتزوج الرومي بجوهر خاتون وأنجب منها ولديه: سلطان ولد وعلاءالدين شلبي. وعند وفات زوجته تزوج مرة أحرى وأنجب إبنه أمير العلم شلبي وأبنته ملكة خاتون.
في عام 1228م توجه والده إلى قونية عاصمة السلجوقيين الروم بدعوة من علاء الدين كيقباذ حاكم الأناضول واستقروا بها حيث عمل الوالد على إدارة مدرستها. تلقى جلال الدين العلم على يدي والده، ويدي الشيخ سيد برهان الدين محقق من بعد وفاة والده لمدة 9 سنوات ينتهل علوم الدين والتصوف منه. وفي عام 1240م توفي برهان الدين فانتقل الرومي إلى مزاولة العمل العام في الموعظة والتدريس في المدرسة. وبخلال هذه الفترة، توجه الرومي إلى دمشق وقضى فيها أربع سنوات حيث درس مع نخبة من أعظم العقول الدينية في ذلك الوقت. بمرور السنين تطور جلال الدين في كلا الجانبين، جانب المعرفة وجانب العرفان.
في عام 1244م، وصل إلى مدينة قونية الشاعر الفارسي الكبير مولانا شمس الدين تبريزي، باحثا عن شخص يجد فيه خير الصحبة، وقد وجد في الرومي ضالته، ولم يفترق الصاحبان منذ لقائهما، حتى إن تقاربهما ظل دافعا لحسد الكثيرين على جلال الدين لاستئثاره بمحبة القطب الصوفي التبريزي. وفي عام 1248 اغتيل التبريزي ولم يعرف قاتله. و بقال إن شمس الدين التبريزي سمع طرقا على الباب وخرج ولم يعد منذ ذلك الحين.
الديوان الكبير
حًزن الرومي على موت التبريزي وحبه العميق له فاض بأشعار وموسيقى ورقصات تحولت إلى ديوان سماه ديوان شمس الدين التبريزى أو الديوان الكبير.
وحتى مماته، كان الرومي يقدم المواعظ والمحاضرات إلى مريديه ومعارفه وللمجتمع. ووضع معظم أفكاره في كتب بطلب من مريديه. وتوفي في 17 ديسمبر ميلاد وحمل نعشه أشخاص من ملل خمسة إلى مثواه الأخير بجانب قبر والده. وسموا أتبعاعه هذه الليلة بالعرس ومازالو يحتفلون بهذه الليلة إلى الآن[.
تعاليمه
كان جلال الدين مسلما مؤمناً بتعاليم الإسلام السمحة لمكنه استطاع جذب اشخاص من ديانات وملل أخرى وذلك بسبب تفكيره المرن المتسامح. فطريقته تشجع التساهل اللامتناهي مع كل المعتقدات والأفكار. كما كان يدعو إلى التعليل الإيجابي، الخير والإحسان وادراك الأمور عن طريق المحبة. وبالنسبة اليه والى أتباعه، فإن كل الديانات خيرة وحقيقية بمفاهيمها. لذلك كانوا يعاملون المسلمين والمسيحيين واليهود معاملة سواسية .
وككل الصوفيين، آمن الرومي بالتوحيد مع حبه، أي الله. هذا الحب الذي يبتعد عن الإنسان، والإنسان في مهمة ايجاده والعودة اليه. وبطلب من مريديه، وضع الرومي أفكاره ومبادئه في كتاب سماه "المثنوي" الذي استعمل فيه حياكته خيوط من قصص يومية و ارشادات قرآنية وحكمة من خبرته لينسج كتابا ثمينا ممتلئ بمعان عميقة منتقاة بحذر وعناية.
أمن الرومي بالموسيقى والشعر والرقص كسبيل أكيد للوصول إلى الله. فالموسيقى الروحية بالنسبة له، تساعد المريد على التركيز على الله بقوة لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف. ومن هذه المنطلق، تطورت فكرة الرقص الدائري الذي وصلت إلى درجة الطقوس. وقد شجع الرومي على الإصغاء للموسيقى فيما سماه "سمع" فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه. فعند المولويين، التنصت للموسيقى هي رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال. والرحلة تبداء بالدوران التي تكبر المحبة في الإنسان فتخفت أنانيته ليجد الحق الطريق للوصول إلى الكمال. وحين يعود المريد إلى الواقع، يعود بنضوج أكبر وممتلئ بالمحبة ليكون خادما للغيره من البشر دون تمييز أو مصلحة ذاتية.
وبعد وفاته، حول ابنه سلطان ولد تعاليم الرومي إلى مذهب متكامل والذي عُرف بالطريقة المولوية. وانتشرت هذه الطريقة في مختلف أصقاع العالم و خاصة في العالم الغربي في يومنا هذا.
أعماله
عادة، تصنف أعمال الرومي إلى عدة تصانيف وهي: الرباعيات، ديوان الغزل، مجلدات المثنوي الستة، المحاضر أو الخطب، الرسائل والموعظ الستة الشبه مفقودة.
شعره
- مثنويه المعاني: وهي قصائد باللغة الفارسية والذي يسميه بعض المتصوفة بالكتاب المقدس الفارسي. ويعتبره كثيرون من أهم الكتب الصوفية الشعرية.
- الديوان الكبير أو ديوان شمس التبريزي والذي كتبه في ذكرى موت صاحبه العزيز وملهمه في طريق التصوف والشعر. وكتبب فيه أكثر من أربعين بيت شعر وخمسين قصيدة نثرية.
- - الرباعيات: وهي منظومة أحصاها العالم الإيراني المعاصر بديع الزمان فوزانفر، كما وردت في طبعة اسطنبول، فوجد أنها تبلغ 1659 رباعياً، أي 3318 بيتاً[
نثره
- كتاب فيه ما فيه: وهو كتاب يحتوى على واحد وسبعون محاضرة القاها الرومي في صحبه في مناسبات مختلفة. وهو من تجميع مريديه وليس من كتابته هو].
- المجالس السبعة: وهو تجميع لمواعظ ومحاضرات ألقاها في سبع مناسبات مختلفة تتناول مواضيع عن القرآن والحديث الشريف. وتتضمن أشعار فريد الدين عطار وسنائي وللرومي نفسه. وقد قدم هذه المحاضرات بطلب من أشراف القوم مثل صلاح الدين زغرب .
- الرسائل: وهي رسائل كتبها بالفارسية إلى مريديه ومعارفه ورجال دولة وتأثير. وهي تدل على اهتمام الرومي وانشغاله بمعارف و مريديه و ما أصبح له من تأثير كبير.
تأثير مؤلفاته
كانت لمؤلفات جلال الدين البلخي التأثير الكبير في الأدب الفارسي و التركي و الأوردي كما أثر في التصوف. تمت ترجمة العديد من مؤلفات جلال الدين البلخي إلى اللغات العالمية المعاصرة و من ضمنها اللغات الأوربية. كما غنى نجوم موسيقى بوب غربيون مثل مادونا ترجمات اشعار الرومي لتعظيمه قوة الحب، واعتقاده في الفائدة الروحية للموسيقى والرقص.