شمس الشموس
  الصوفيّة في بعلبك
 

 

الصوفيّة في بعلبك


تعريف الصوفيّة

التصوّف هو طريق أو طريقة يسلكه العبد للوصول إلى الله أي الوصول إلى معرفة الله والعلم به وذلك عن طريق الإجتهاد بالعبادات وإجتناب المنهيات, وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة وتحليته بالأخلاق الحسنة . يستمدّ هذا المنهج أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية ومن أخلاق آل النبي وسلوكهم ومن إجتهاد العلماء فجعلوه علما سمّوه علم التصوّف أو علم التزكية وعلم الأخلاق والسلوك . والتصوّف ليس مذهبا وإنّما هو أحد أركان الدين الثلاثة (الإسلام والإيمان والإحسان ) . وقد إهتمّ بتحقيق مقام الإحسان وهو "أن تعبد الله كأنّك تراه وإن لم تراه فإنّه يراك ". وقد دخل في التصوّف غير أصحاب العلم من الجهلة أو من المخربين , فنتج عن ذلك ممارسات وهرتقات شوّهت أساسياته وقواعده , الأمر الذي أعطى الأسباب للتهجم على التصوّف من قبل السلفيين بإعتبارهم التصوّف بدعة دخيلة على الإسلام مستغلين البدع والشواذات التي ليست من أصول الصوفية . ألا نرى البدع والشعوذات والفتاوى الضالة اليوم في بعض المذاهب الإسلامية والنصرانية وهي خارجة عن أصول الدين ؟

أصل تسمية الصوفية 

ردّ الكثيرون مفهوم الصوفيّة بحسب ميولهم إلى الكثير من المصادر , وأجمع الغالبية على أنّ الصوفيّة تعود إلى الصفاء العام والصفاء الذهني ومبادلة الآخاء (صوفي إليه )وبادله المودّة . وتكون بتقرّب العبد لربّه بالحبّ والطاعة الكاملة . ويصافيه الله ( صوفي من الله)  بقربه وكرامته .

وقد ردّ البعض الصوفيّة إلى الكلمة اليونانية (صوفيا ) ومعناها الحكمة . وبعضها ردّها إلى لبس الصوف الخشن , ألا أنّ الأغلبية لم توافق عليه . ولا يستمدّ التصوّف إسمه ممّا يوصف بأنّه تصوّف هندي ونصراني وفارسي وبوذي , بل ينبع من الإسلام أصولا وفقها وممارسة, ومن الأوراد والذكر الذي علّمه النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأوائل صحابته , وأولا لعليّ بن أبي طالب وأبي بكرالصديق رضي الله عنهما .

وكان النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم يخصّ كلا من الصحابة بورد يتفق مع درجته وأحواله,  يدعوه بمداومته ,الذكر, لا سيّما في خلواته .ومن هذه الأوراد نذكر : تكرار إسم الجلالة " الله,الله ,الله..." وتكرار الله حي , الله حي , الله حي ... ولا إله إلاّ الله , لا إله إلاّ الله, لا إله إلاّ الله... وغيرها من الأوراد .

الطرق الصوفيّة

الطريق لغة هي السيرة وطريقة العارف , مذهبه الذي يسلكه حتّى الوصول إلى معرفة الله عزّ وجلّ . وكلّ طريقة تنسب إلى المجتهد فيها فتسمّى بإسمه . فيقال الطريقة العلوية والطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية والتيجانية والختمية, والشستية ...

وتتباين الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في طريقة تربية طلّابهم ومريديهم بإختلاف أصولهم وتربيتهم وأذواقهم الروحية وبإختلاف المحيط الإجتماعي الذي يأتون منه والذي يعملون فيه ويجتهدون .فقد يسلك بعض المشايخ أسلوب الشدة والقسوة في تربية المريدين فيأخذونهم بالمجاهدات العنيفة ومنها المبالغة في الصيام والسهر وكثرة الخلوات والإعتزال عن الناس ومخاصمة محاسن الدنيا ومباهجها وكثرة الذكر والتفكر والنوم على الحجارة وقهر الجسد والقسوة عليه وإتّباع أذية الجسد بالحديد والأشواك تأديبا له .ومشايخ آخرون يستخدمون طريق اللين والحسنى والتخفيف مما ورد أعلاه من طقوس وممارسات . ومن المشايخ من يتبنّى طريقة بينهما . تعتمد كلّ طريقة صوفية بيارق ورايات وشارات وألوان تميّزهم عن غيرهم . فالقادرية تتميز بالأخضر , والرفاعية بالأسود والأحمدية بالأحمر .والبرهانية لها ثلاثة ألوان في البيارق , الأبيض والأصفر والأحمر ,  وكذلك الشاذاية والدسوقية , والأخضر الذي يرمز إلى شرف الإنتماء نسبا إلى أهل بيت النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم .

وفي كل الطرق الصوفية عبارة هامة " إيّاك أن تعتقد يا أخي أنّك إذا طالعت كتب القوم (الصوفية ) وعرفت مصطلحاتهم من ألفاظهم أنّك صرت صوفيا , إنّما التصوّف هو التخلّق بأخلاقهم ومعرفة إستنباطاتهم لجميع الآداب والأخلاق التي تحلّوا بها من الكتاب (القرآن ) والسنّة النبوية الشريفة "

 مجاهدة النفس

يعرّف الصوفيون طريقهم " بذل النفس على خلاف هواها ومرادها المذموم وإلزامها تطبيق شرع الله أمرا ونهيا " . المراد من ذلك ليس من مجاهدة النفس في إنهاء صفاتها الأساسية التي خلقها الله عزّ زجلّ فينا بل المراد تصعيدها من سيء إلى أحسن وتسييرها على مراد الله عزّ وجلّ وإبتغاء مرضاته وهم يستدلّون على المجاهدة بآيات القرآن والأحاديث والسنّة النبوية المحمّدية .

ذكر الله تعالى

هو التخلّص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق سبحانه تعالى . والترديد باللسان والقلب لإسم الله أو صفة من صفاته أو حكم من أحكامه أو فعل من أفعاله أو غير ذلك مما يتقرّب به من الله عزّ وجلّ . ويعتقد الصوفيون أنّ الذكر يثمّر المقامات كلّها من اليقظة إلى التوحيد ويثمّر المعارف والأحوال التي يعيشها السالكون , فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلأّ من شجرة الذكر , وكلّما علت تلكم الشجرة وعظمت وضربت جزورها بعيدا , كان أعظم لثمرتها وفائدتها .

والذكر منار الوصلة وتحقيق الإرادة وعلامة صحّة البداية ودلالة النهاية فليس وراء الذكر شيء . وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر وبدايتها من الذكر . والذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى , بل هو العمدة في الطريق. ولا يصل أحد إلى الله إلاّ بدوام الذكر .  ويكون الذكر في السرّ والجهر , والذكر فردي وجماعي والذكر باللسان والقلب .الذكر في الحياة العادية أو في الخلوة يأتي مدعمّا للمارسة والأصول وأوّلها الصلاة في أوقاتها والذكاة والصوم والجهاد في سبيل الله ( في المجتمع والعائلة ).
ويتصّف الصوفية بالخلوة والعقيدة , والعقيدة بالأولياء . وللأولياء مراتبهم بحسب إجتهادهم, وللأولياء كرامات وهي أمور خارقة للعادة غير مقرونة بدعوى النبوّة يظهرها الله على أوليائه الصالحين من أتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم وآل بيته , ويعتقد الصوفيون بوحدة الوجود والحلول والإتحّاد .

 الصوفيّة في العالم

حمل الصوفيون طرقهم معهم إلى العالم وحيثما نزلوا ووجدوا بين المسلمين أتباعا يتبنّون طرقهم .ومن أهم الطرق الصوفية المنتشرة في العالم الإسلامي نذكر : الطريقة القادرية , السعدية ,الرفاعية ,الأحمدية أو البدويّة العلوية , النقشبندية وغيرها كثير .إشتهرت هذه الطرق في سورية والعراق ومصر وشمال أفرقيا وتركيا والسودان والأردن وأفغانستان وشرق أفرقيا والهند وباكستان ...كما أنّ العديد من الطرق حملها المشايخ إلى دول خارج العالم الإسلامي مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا والبرازيل وأستراليا ...

علاقات المتصوّفين

أكّدت كل الدراسات والأبحاث ومنذ ظهور التصوّف المنظّم في الطرق أنّ المتصوّفين إمتازوا بعلاقات قلّما نلمسها في مجموعات متكاملة أخرى .فإنّك ترى المتصوّفين غالبا من بين عامة شعبية قليلة ما باليد . فهم لا تهمّهم النعم ومباهج الحياة ولا يلفتهم الترف والجاه وتراهم في أعلى درجات التواضع , تواضعا لله عزّ وجلّ وأمام الله عزّ وجلّ وتواضعا أمام جميع البشر. همّهم الأوّل رضا الله تعالى ورضا الرسول والأولياء والأخيار الصالحين . من هنا فإنّهم أظهروا دائما إحتراما كبيرا للناس الغير صوفيين , لا يعتدون ولا يشتمون ولا يتعالون ولا يميّزون أنفسهم عن غيرهم , فمن لم يكن منهم له صلاته وله ممارساته يمكن أن يقدّموا له النصح .

فما يحصلون عليه من أعمالهم حلال عليهم وغير ذلك هو حرام عليهم . يتقبّلون في بعض الحالات مساعدات من الآخرين وضمن حدود الحاجة . ثيابهم قديمة مرقّعة مهلهلة ,لا فرق لكنها نظيفة تحتوي كما يقولون أنفسا نظيفة قريبة من الله تعالى ومن كان قريبا من الله فلا خوف عليهم ولا يحزنون .

يسلّمون على الناس في الشوارع ولا يتأذّون إن لم يرد عليهم السلام . تراهم ناصحين بوجه مبتسم صوت خفيت لا صراخ فيه ولا عنف . تكاد لا تسمع أصواتهم من كثرة تواضعهم . بين بعضهم قربة وموّدة ناعمة وواضحة . من كان منهم قليل ما بيده فالمساعدات من إخوته في الطريق تأتيه حتّى منزله وهو ليس عليه أن يطلب أو يسأل أخاه في الطريقة . يأخذ أقلّ من حاجته وحاجة عياله ولا يقبل بأكثر من ذلك . يسعى بكلّ قواه للحصول على العمل ليدفع للآخرين ما يجب عليه .لا يعادون أحد, كلّ على دينه , ولا يحقدون على من ليس منهم . الله هو الرب الشافي المعافي الذي يحاسب في الدنيا والآخرة .لا يكفّرون أحد أيا كان الآخرون لا يحملون سلاحا إلّا إذا دعوا إلى الجهاد ضد المعتدين على الأرض والعرض وعلى دين محمّد – دين التوحيد .

المتصوفون في بعلبك أيّام الشيخ صالح عرفات وبعده حتّى خمسينيات القرن العشرين الميلادي

من هو الشيخ صالح عرفات الرفاعي الحسيني؟
هوالشيخ صالح إبن الشيخ محمّد عارف إبن الشيخ محمّد إبن الشيخ عرفات القادري نسبا,  الدمشقي أصلا والبعلبكي موطنا . كان خادما للسجادة الرفاعية والقادرية في بعلبك . ولد  سنة 1313 هجرية وتوفي سنة 1364 هجرية . دفن قرب والده في مقبرة نحلة – قضاء بعلبك . عرف عن الشيخ صالح ورعه وتقاه ودينه وتمسّكه بالإسلام والشريعة وسلوك النبي وآل بيت النبي والصحابة والصالحين . قلّدهم في الكثير من سلوكهم وكان تقليده ممارسة حقيقية في القلب والروح والجسد . إلتف حوله المريدون من بعلبك من الشيعة والسنّة . أخذوا منه تعاليمه وخبرته وسلوكه , أخذوها تقليدا وقناعة . فهم في حياتهم ممارسون مصلّون متعبّدون عاملون ومنتجون , في الزراعة وتربية الحيوانات والصناعة والحرف والحوانيت على أنواعها وفي بعض وظائف القطاعين الرسمي والخاص .  نسجوا من علمهم وسلوكهم نسيجا متجانسا متكاملا بينهم , وكلّ واحد منهم نقل إلى عائلته بكاملها هذا السلوك المرهف المتأدّب الممارس . كان كلّ واحد في الطريقة أخا للآخر وأخا للسيدات الأخريات. من هنا وبما أنّ والدي خليل ياغي ياغي, أبو ياغي كان منضويا تحت هذه العباءة القادرية الرفاعية وكان شيخا فيها , فإنّني كنت وأخواني وأخواتي كلّنا ننادي الرجل منهم عمّي والمرأة عمّتي . لن أزيد وصفا لما عشته في تلك الحقبة النورانية من حياتي في بعلبك صغيرا بين هؤلاء الأعمام والعمّات وأبنائهم . كانوا يسعون لحلّ مشاكلهم البسيطة بأيديهم وبينهم ويساعدون كلّ صاحب حاجة منهم أوّلا وممن ليسوا منهم ثانيا . أذكر ضمن من كنت أراهم وأنا لم أتجاوز الثامنة من العمر كثيرين من طيّبي القلب والسلوك وأذكرهم وما زلت حتى اليوم وأنا في السنة الثانية والسبعين , ما زلت أنادي من بقوا منهم أحياء عمّي وعمّتي وأبناءهم وبناتهم أبناء عمّي وأبناء عمّتي . والمعلوم أنّك عندما تختار طوعا فلان أو فلانة عمّي وعمّتي فإنّ العلاقة معهم لطيفة جدا وصادقة أكثر من أيّ علاقة . في بعلبك كثيرون من أناديهم وينادونني إبن عمي , نقف مع بعضنا للسلام وقراءة الفاتحة لأمواتنا وللشيخ صالح عرفات . سيتساءل البعض كيف لطفل في الثامنة من العمر يتذكّر الأشخاص المتصوّفين والعائلات التي ينتمون إليها . أرد على ذلك بأنّ عدد عائلات بعلبك آنذاك لم يكن كثيرا , ثمّ أنّنا قليلا ما كنّا نصادف وجوها غريبة عن مدينة بعلبك , وأخيرا أقول بأنّ المتصوّفين كانوا على تواصل مستمّر وبشكل أسبوعي مع بعضهم يتبادلون التحيّات والهموم والأحزان والأفراح ... هكذا كان إبن الثماني سنوات يعرف الكلّ والكلّ يعرفونه لا سيّما إذا كان والده وصل إلى درجة الشيخ في التصوّف والطريقة , حيث كانوا ينادونه الشيخ خليل أبو ياغي .

أمّا عبادات الصوفية في بعلبك فكانت فردية , إنّهم مسلمون يصلّون ويدفعون الحقوق الممكنة , وصلاتهم عادية خمسة فروض في مواقيتها . وفي أوقات تأمّلهم كان ذكر الله الدائم فردا وجماعة , وفي مقام النبي أنعام تقام صلاة الجماعة لمن إستطاع وصلاة الجمعة بجماعة ظهرا .

عبادة متصوّفي بعلبك – الخميس مساء – ليلة الجمعة

الخميس مساء يجتمع القوم في منزل أحد المريدين الصوفيين . عادة في المنزل الذي يتّسع لعدد يتجاوز الخمسين مريدا .
يحضر الشيخ الأكبر في المرتبة وبدخوله يصافح الجميع . يقرأون السورة المباركة الفاتحة للنبي ومرّة أخرى لأموات الصوفيين ولأموات جميع الحاضرين . تقام الصلاة والإمام هو الشيخ الأكبر . تصلّى صلاة العشاء . يفتتح الشيخ الدرس الديني التوجيهي , ضمن حدود الشريعة الإسلامية وتتم عملية التوضيحات والإستيضاحات . ينتهي الدرس . يشرب الحاضرون ما يتواجد من شاي وزهورات أو يانسون وقرفة (حسب إمكانيات صاحب البيت ) ثمّ تقدم المجفّفات إن وجدت.

 الذكر

تعقد حلقة الذكر وقوفا للجميع . والورد الذي كان يكرره المتعبّدون هو :

الله , الله , الله ...

الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر ...

الله حي , الله حي , الله حي...

وهكذا حتّى نهاية العبادة وحتّى يأذن الشيخ الأكبر بذلك . تتمّ الصلاة على محمّد وعلى آل محمّد وأصحاب محمّد وتقرأ الفاتحة والتوحيد . يسلّم الجميع على بعضهم البعض مصافحة وينتشرون كلّ إلى أهله . تقام أحيانا بعض المدائح والموشّحات النبوية مع قرع الدف لفترة قصيرة . أذكر أنّ هذه اللقاءات كانت تجري كلّ سهرة خميس لأوّل الشهر في منزلنا العتيق . وكلّ خميس في منزل شيخ آخر لا سيّما منزل الشيخ صالح عرفات ومنزل صالح الرفاعي والشيخ خالد الرفاعي .تقام هذه العبادات الليلية أحيانا في مقام النبي إنعام . في المنزل كان الرجال يأخذون الغرفة الأوسع والنسوة يتعبّدن في غرفة مجاورة .

وسائل ورايات وآلات قرع وسنجق وأعلام .

جمع الصوفيون في بعلبك ما أمكن من المال لشراء آلاتهم وعددهم . ساعدتهم فرق صوفية من دمشق وحمص وحماة وحلب وطرابلس .والسنجق هو ثوب كبير من القماش , عادة ما يكون من المخمل الجميل . لونه أخضر أو أسود , ومساحته تغطي كما الخيمة إرتفاعها ثلاثة أمتار ولا يستطيع حمله على عامود من خشب إلاّ الرجل القوي القادر ويمسك معه للتوازن ثلاثة رجال من ثلاثة جهات . تقوم على خياطته وتزيينه بالآيات القرآنية نسوة بعلبكّيات تساعدهنّ نسوة شاميات وحمصيات .. يكتب على السنجق بالخيط المذهّب بالألوان الجميلة .

الأعلام والرايات تميّز القادرية والرفاعية .الطبول والدفوف والصنوج لأداء الموسيقى المميزة لهذه الطريقة .نجد أحيانا بعض السيوف والسياخ وغير ذلك مما يستعمل أثناء السير في المسيرات (السيّارة) الدينية والعبادية .

يتم شراء هذه الآلات والسنجق والأعلام ... من مال الصوفين الخاص أو من مال النذور وتبرعات المسلمين الميسورين . وليس هناك أيّ دعم من خارج المتصوفين والقادرين . كانت الجماعات في المدن الغنية تسهم بدعم الجماعات محدّدة الدخل . كانت بعلبك من هذه المدن المحتاجة فقد لقت الدعم من متصوفي الرفاعية في دمشق وحلب وحماه وطرابلس .

هكذا كانت الأواصر التكاملية بين المشيخات الصوفية دعما ماديا ومساعدة ورنوا بالمحاضرين والمدرّسين ومشايخ الطريقة الكبار . كل ما قلته هنا مختصرا أذكره وكأنّ صورة حيّة أمامي الآن , وكأنّ المشهد المتكامل يدور أمامي , لقربي مما تمّ ومما عاشته الصوفية في بعلبك مع الشيخ صالح عرفات ومشاركة والدي الشيخ خليل ياغي والمشايخ الأجلّاء الآخرين والتابعين والمريدين , رحمهم الله أجمعين وجعلهم مع الصالحين بقربه وقرب النبيين .

الإنتماء العائلي لمتصوّفي بعلبك

أتذكّر الشخصيات البعلبكية التي كانت تتردّد على العبادة الصوفية في منزلنا القديم وهم على ما أذكر أشخاص أجلاّء من العائلات :

بلّوق , الططري , العوطة, عرفات , فلاحة , مكيّة , الرفاعي , شلولة , الشلّ , عواضة , ديلاتي , زين الدين , رعد , صلح , شلحة , الشمالي , حليحل ,خزعل , ياغي , الملاّ عصيدي , شرف الدين , متين , عثمان , الطفيلي , سماحة , كسر , عبده , الوزواز (صالح) , برهان , والغالبية كانوا من عائلات : كسر, حليحل , خزعل, سماحة ,عصيدي , صلح , شمالي , الرفاعي.....


السيارة الصوفية

أجمع متصوفو القادرية –الرفاعية في بعلبك على مناسبتين عباديتين سنويا .

خميس الأموات وتقام في خريف كلّ سنة . هو عادة يوم الخميس الأوّل من تشرين الأوّل من السنة .

خميس المشايخ ويتم في ربيع السنة والإتفّاق على ذلك أنّه عادة الخميس الأوّل من شهر نيسان .

في المناسبتين يقام إحتفال , مهرجان عام تظهر فيه الأخوة الصوفية في كامل أفرادها وعدّتها وعددها . تطوف السيارة في كل أنحاء بعلبك أثناء النهار بين الساعة عاشرة صباحا وحتّى الساعة الثالثة بعد الظهر. بعد إتّخاذ القرار في إحدى جلسات الخميس المسائية يحدد موعد المسيرة – السيارة . يكون ذلك قبل شهرين من موعد المهرجان السيّارة .إتّخاذ القرارات للترتيبات والتحضيرات للظهور في العلن أمام العامة .

الدعوات المحلّية في البقاع وطرابلس وصيدا وبيروت .تحدّد أسماء الشخصيّات المدنية والصوفية لدعوتها . تحدّد أماكن إستقبال الضيوف والمشايخ والمقامات الصوفية لاسيّما الذين يحضرون من لبنان ومن المدن السورية . تحدّد المسؤوليات والأشخاص المسؤولين عن المتابعة في كلّ الأماكن والمستويات يحدّد خط سير السيّارة , التظاهرة , وتأمين سلامة الطرقات . يحدّد مكان الدعسة في بعلبك ويسمّى الفرس للدعسة وخيّالها . الحصول على أسماء المتبرّعين للنوم على الأرض لتمرّ عليهم الفرس .

مكان التجمّع

يكون مكان التجمّع عادة أمام مقام النبي إنعام أو من أمام منزل الشيخ الأكبر –الشيخ صالح عرفات- حيث تكون الأغراض والوسائل المستخدمة في السيارة وعددها .تمشي السيّارة بكاملها . في أوّلها تمشي الخيّالة أكثر من عشرين خيّالا وفي بدايتها تمشي الفرس المختارة للدعسة . فرس الدعسة تكون مزيّنة بالمناديل المطرّزة والمعطّرة .

الدعسة

يتقدّم المجاهدون المتبرّعون من الشباب البعلبكي للإستلقاء على الأرض طولانيا .الواحد بعد الآخر والرأس قرب القدم . رأس الواحد بعد قدمي سابقه . أتذكّر في واحدة من هذه الدعسات أنّ الشباب كانوا من عائلات بعلبك : عواضة ,الشمالي , الرفاعي , عصيدي , ياغي , عثمان , حليحل , كسر , شلحة , الططري , حسن ,طفيلي , منين , شرف الدين , عوفة , خزعل , خرفان , بيان , شيّاح , الزكرة ,الجمّال , سماحة ,الزين , هية المصري , مرتضى , الحسيني , زين الدين , عرفات , شقير , يحفوفي , يزبك, عبد الساتر , الديلاتي , مكيّة , فلاحة ...

يتم تنظيف الطريق , الساحة حيث يتمدّد عليها الشباب للدعسة . إبعاد المشاركين ممن ساروا في السيّارة حتّى مسافية كافية من مكان تمدّد الشباب . إبعاد الخيول الأخرى .يدعى الجمهور إلى صمت كامل لكيلا تتأثّر الفرس بالضوضاء.يتقدّم الشيخ العارف , يهمس في أذن الفرس أقوال وآيات وأوراد عبادية ويمسح بكفّيه على رأسها وقوائمها الأربعة . يصعد الشاب الصوفي على ظهر الفرس وعادة يكون الشيخ عبد الغفّار إبن الشيخ صالح عرفات الصغير بين أخوته .يقرأ الفارس على الفرس اللازم من الآيات القرآنية ويوجهها بلطف نحو الشباب المستلقين على الأرض .تمرّ الفرس فوق الشباب , أقدامها كأنّها لا تمسّ الأرض ولا تمسّ الأجسام من أوّل الشباب حتّى آخرهم , كأنّها لا تدوس عليهم بل كأنّها تدغدغهم بخفّة ما بعدها خفّة .يأذن الشيخ للشباب بالوقوف .تبدأ التكبيرات والتهليلات والصلاة على محمّد وعلى آل محمّد وأصحاب محمّد أجمعين, وبعد وقت .يتفرّق المشاركون كلّ إلى غايته بعد يوم جهادي طويل مملؤ بالعبادة والفرح . وأيّ إنسان لم ينله أيّ أذى والحمد لله . يدعى الضيوف إلى حيث يلزم ويتمّ إستقبالهم في منزل الشيخ الأكبر أو حيث يريد الشيخ الأكبر .

آخر مرّة ظهرت السيّارة عندما قتل خطأ المرحوم رياض الرفاعي .


إن القطب أحمد الرفاعي الكبير صلى الصبح في مكة والظهر في المدينة والعصر في بيت المقدس والمغرب في بعلبك والعشاء في جبل قاف .


 

 

 


 
  3100220 visitors