بسم الله الرحمن الرحيم
5 . إركب نفسك للوصول إلى الحضرة الإلهية
نرجو من الله عزّ وجلّ أن لا يتركنا بأيدي أنفسنا السيئة . إنّها عدوّك الأكبر الذي يقطع طريقك إلى الله عزّ وجلّ , وتقول لك " إخدمني , إنحني لي , أترك كلّ إرادة ورغبة إلاّ التي تخصّني . أنا كلّ شيء وأنت عبدي ."
إنّ هدف العبادة والصيام السيطرة على النفس والقضاء عليها حتّى تموت . مادمت تخضع لأوامر نفسك وتعمل تحت أمرها لن تستطع الوصول إلى الحضرة الإلهية . هناك سلطان واحد يجب أن تكون خادمه .
الطريقة هي تمرين للوصول إلى التصرفات الجيّدة . يجب أن تنسى , وتقاوم نفسك , وأن تقبل وتكن سعيدا بإرادة ربّك سبحانه وتعالى . لا تتغافل عن تمجيد إلاهك وإلاّ ستكون سجين نفسك السيئة , كالأسد في القفص . سيصيبك بعض الأذى أو العقاب كلّما تكون مستهتر بذلك . ربّما لحظة بسيطة ستكون لعنة عليك .
جميع الناس لطفاء مع أنفسهم . يسألونها بإستمرار ماذا تأمر ؟ ويقولوا " يا نفسي يا سلطاني , سأحضرّ ما تريدي وما تتمنّي, أنا عبدك وأنت سلطاني" . في النهاية سيموتون ويفحّ من أجسادهم رائحة كرهة . النفس شيء غبي لكنّه يعرّف عن نفسه وكأنّه شيء قوّي . فهي تقول " يجب أن تطيعني , لا أحب أن يكون لي شريك . أنا الأوّل والآخر لك . كلّ الإحترام والثناء الذي تعطيه يجب أن يكون لي ." الناس عامة كسالى ويتبعون أنفسهم .( الذي هو أكسل المخلوقات ) .
إنّ جسدك المادي لا يستطع الوصول إلى ضخامة العالم . لكن روحانيتك بإستطاعتها فعل ذلك . كلّما غذّينا روحانيتنا من العالم الإلهي أصبح بمقدورها الوصول إلى هذه الضخامة . في البداية عندما كوّن الله عزّ وجلّ النفس أمرها أن تسير إلى الأمام , فسارت إلى الوراء . هذه هي طبيعتها عدم تقبّل الأوامر الإلهية . فالله عزّ وجلّ أكرم الإنسان عندما جعله عبدا لله , لكن النفس تحاول أن تقف في طريقه لتمنعه من طاعة خالقه .
لقد جلب كلّ نبي طرق لتدريب هذه النفس حتّى تقول لله " إنّني أسلّم لك يا الله " . لكن نفسك تقول لله تعالى " كلا لن أستسلم لك " . عندما سأل الله عزّ وجلّ النفس "من أنت" ؟ قالت " أنا أنا وأنت أنت . " "أنت أنت وأنا أنا ". فأمر الله عزّ وجل أن توضع النفس لمدّة ألف سنة في النار ثم أخرجها وسألها السؤال نفسه . فأجابت "أنت أنت وأنا أنا ." ثمّ أمر الله عزّ وجلّ أن توضع النفس في جهنّم الباردة لمدّة ألف سنة , ثمّ أمر بعد ذلك بإخراجها فسألها السؤال ذاته فأجابت بالطريقة ذاتها . ثمّ أمر الله عزّ وجلّ أن توضع في وادي الجوع لمدّة ألف سنة وسألت السؤال ذاته فأجابت " أنت إلهي وأنا خادمتك "
النفس تدّعي دائما بأنّ لها الألوهية . الألوهية هي فقط لله عزّ وجلّ . نحن عباد الله لكنّنا لا نعترف بذلك . النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم جلب أمر الصيام من الله عزّ وجلّ . عندما يأتي الجوع تهدأ النفس وتقول " لا أدّعي مجددا بأنني الله أمامك " . الإنسان الذي ليس بمقدوره التحكّم بنفسه هو مريب وخطير . الصوم يجعلك قادرا على التحكّم بنفسك حتّى تستمع لك . فتقول " إفعل فتفعل" أو تقول " توقّف فتتوقف" . لذا فالصيام من البدء إلى النهاية هو العامود الأساسي في العبادة . فمن دونه لا يستطع أيّ أن يكون عبدا حقيقيا لله عزّ وجلّ , وإلاّ ستربح النفس في جميع الحالات . فهي تركب ظهرك وتقول " إتبعني " .
إذا أمرنا الله تعالى أن نأخذ ريشة أو وردة خمسة مرّات في اليوم إلى داخل الجامع أو حتّى من غرفة لأخرى ستعترض النفس وتقول " إنّه صعب " و" لماذا هذا " . نفسك تجعلك تخاف . فهي تقول " لا أستطع السيطرة على الغضب . " إبتلاع الغضب يبدو صعبا في البداية , لكن إذا أصريت بهدف إبتلاع غضبك سيحصل ذلك وستكون سعيدا . ستقول " آه إنّه جميل جدا أن أحمي نفسي من أذى الغضب ."
يطلب الله منّا أن نرتفع من المستويات الأرضية إلى المستويات السماوية . النفس تتمتّع بالأشياء الدنيوية وليس بالأشياء الروحانية . ( كما إنّ الليل لا يستفيد من الشمس ) . وجّه جسدك للقبلة ووجه وجهك ليقابل السماء ( الله ) . إنّه محبب إلى الله عزّ وجلّ أن تكون قادرا أن تدخل إلى حضرته الإلهية . هذا آخر أمنية وأمل لدينا .
أطلب من الله تعالى أن يأخذ هذه النفس منك وكلّ ما تسعى إليه . توقف عن طلب التلذذ بالحياة .
إنّه يعرف بأنّنا عندما نستخدم قوانا الجسدية نسخرّها لفرح أنفسنا وليس لخدمته . إنّنا نفعل ذلك طوال النهار لكن لا تقتنع أنفسنا .
عندما تخدم نفسك يزداد الحمل الذي تحمله , وسيكون ثقيلا . إننّا نفعل الكثير من الإشياء لخدمة النفس وفي النهاية تسأل النفس " ماذا تفعل لي ؟ " حتّى لو عملت 24 ساعة لخدمة نفسك ستقول بأنّك كنت كسولا " .
لو يعطي الناس لله ما يعطوه لأنفسهم من الوقت لكان بإستطاعتهم أن يطيروا . أنتم أكثر من عبيد لأنفسكم , لكنّها تصرّ وتقول بأنّك لا تعطيها ما يكفي من الوقت . إنّه مهم جدا معرفة بأنّ نفسك لن تكون مسرورة منك . لكن لو تفعل قليلا لله تعالى مما تفعله لنفسك لمنحك الله السعادة , الإكتفاء والأمل في قلبك والذي سيجري في كافة جسدك . هذا يعني بأنّ جسدك لن يموت أو يتحوّل إلى غبار , لن يخرج له رائحة نتنة في القبر وستصل إلى يوم القيامة وأنت موجود بالجسد ذاته الذي عشت فيه على هذه الأرض . يجب أن لا تكون إرادتك من أجل الآخرين . سيعرف من هم المؤمنون الحقيقيون الذين سخّروا أنفسهم للخدمة الإلهية ومن كانوا لخدمة أنفسهم .
سيكرم الإنسان الذي قضى حياته في الخدمة الإلهية . شيخي الشيخ عبد الله الداغستاني قدّس الله سرّه قال: يسعى الناس إمّا ليثبتّوا أنفسهم أو ليتلفوا أنفسهم . هذا مختصر الشريعة . إهتم جيدا بهذا . كلّ إنسان يفعل إحدى الشيئين : إمّا يكبّر نفسه أو يحاول أن يزيلها . ما يفعله البشر اليوم هو إمّا إثبات أنفسهم أو إتلاف وجودهم . كلّ نفس تحاول أن تثبت نفسها وتحاول بشتّى الطرق أن تجلب نفسها لحيّز الوجود وتقول " أنا هنا " . الخيار الآخر أن تختفي من الوجود . لكن أكثر الناس , أكثر من 99 % من الناس يفضّلوا أن يثبتوا أنفسهم .
يطلب الله تعالى من عباده أن يفنوا أنفسهم ( إفناء الوجود ) . عليك أن تختار بين شيئين , إمّا أن تكون مع جزءك الحيواني وإمّا أن تكون مع إلهك . الإنسان الذي يحب أن يثبت نفسه سيرمى مع الزبالة , لا فائدة منه . لماذا تعتقدوا بأنّ الناس يترددوا في الدخول إلى الطريقة .
إذا بقيت مع نفسك لا تستطع الدخول في الحضرة الحقيقية . لا شكّ إنّ الذين يخشون الله عزّ وجلّ هم في الجنّة ذو الأنهار الجارية في حضرة الله العلي الأعلى (المقتدر) . هذا الإسم الأعظم لله عزّ وجلّ لديه معان لا توصف , حتّى الأنبياء أو الأولياء أو الجن لا يمكنهم الوصول إلى هذه المعاني .
كم من الناس توفيوا في الوقت الحاضر بصحبة أنفسهم ودفنوا مع حيوانهم . عندما ترضى أن تترك نفسك يقول لك جدّنا الشيخ " أهلا إلى طريقتنا " . من الضروري أن تقضي على نفسك لتدخل إلى الحضرة الإلهية ,ولحضرة النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم . تعتقد بأنّك تقوم بالذكر وتقوم بالأوراد وتصلّي في الليل وتصوم في النهار . لكن بالرغم من ذلك فإنّ الشرّ يجلس على ظهرك وبكلّ خطوة يقول " أنا هنا , أنا هنا " . إذا أنت في أسفل الدرك .
إثبات أو فناء النفس هي النقطة . على المريد أن يختار بين هاتين النقطتين . إذا ترك نفسه سيكون مع شيخه , مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومع الله عزّ وجلّ . النفس موجدة في الإنسان . الحيوان لديه أيضا نفس ليتحكّم بحياته وبذريته . نفس الحيوانات تستعمل كغريزة من دونها لا يستطيعوا حتّى الأكل . رغبتهم للأكل والشرب ولإبقاء زريتهم يأتي من النفس .
النفس هي إمتحان لبني آدم يحدّد من خلالها إذا كان بمقدورهم الوصول إلى مراتب عالية أم لا . من يقاوم النفس يصل إلى مقامات روحية عالية . هناك شيء لتربحه . الجميع يجب أن يطلب المزيد من القوّة لإنقاذ روحانيتهم وأرواحهم من سجن أنفسهم . النفس تهاجم بإستمرار كياننا الروحي ولا تتركه يحظى بدعم سماوي أو حتّى يصل إلى درجة المؤمن الحقيقي . لذا نحن بحاجة في مناسبات لطلب المزيد من الدعم والطعام لروحانيتنا . فطريقتنا النقشبندية ليست لكلّ إنسان لأنّه ليس بإستطاعة كلّ واحد التمسّك بها . لتصبح نقشبنديا يجب أن تعلن الحرب على نفسك وتحطّمها لتكون صفرا .
إذا إستطاع أحدهم أن يسيطر على نفسه سيدعى " تعال " . الإنسان الطائش هو الوحيد الذي يصرّ أن يذهب بحماره إلى السلطان . لا تستطع . عليك أن تترك نفسك. عندما تقول بأنني لا وجود لي عندها تستطع أن تذهب . ملايين من الناس يقولون بأنّهم نقشبنديون ولكن إذا لمستهم قليلا سيرفسوك . إذا جئت من الخلف أو من الأمام سيعضّوك . إذا لم تدع حمارك لا تستطع أن تكون نقشبنديا , والذي ما هو سوى تدريب صعب للنفس ولا شيء آخر . (إذا أنت لست موجودا ) .
إذا كنت تريد أن تمثّل نفسك لن تحصل على شيء , وسيرسلوك إلى الإصطبل لتكون مع الأحصنة والحمير الذين يركلوا الأرض ويحرّكوا رؤوسهم . لا تتشاجر أو تجادل مع الناس ولا تتدخل بشؤون الآخرين . إنشغل بنفسك . لا تقل أنّك أفضل من الآخرين . كلّ من يقول ذلك ينتمي إلى هذا الإسطبل .
يجب أن تقبل الجميع , كل أنواع الناس . الله يخلق كما يريد وبإرادته أن يكوّن الناس كما يريد . لذا يجب أن تنظر إلى الخالق وتحب ما خلق . الله عزّ وجلّ أحبّه وكوّنه لذا يجب أن تقول بأنّك تحبّه أيضا . يجب أن تحطّم نفسك . فأنت لا تعرف من هذا الشخص وما هو السر الموضوع فيه .
إذا كان أحدهم مقيّد بنفسه يمكننا أن نرى بسهولة وجهه السيء . لكن يجب أن تنسى ذلك وأن تنظر إلى داخل الجوهرة . لا تقبل فقط الوجه السيء وأنظر إلى حقيقة النفس . تذكّر الجوهرة . لا تقل بأنّك لا تحب أحد ما . إذا نظرت فإنّك لديك الأشياء ذاتها . سيقول الله عزّ وجلّ " رفضت ذلك العبد وكنت أنت بنفسك تملك الصفات ذاتها " . رفضته لكن لم تستطع أن ترمي هذه الصفات من نفسك . إشتغل في إيجاد الخير في كلّ من تراه , وبذلك تكون الطريق إلى الله عزّ وجلّ أقرب وأقصر . ممكن أن تصل . ستفتح الأبواب لك . إذا لم تفعل ذلك ستبقى مع نفسك .
لو لم يعطي الله عزّ وجلّ قيمة لذلك الإنسان لم يخلقه . أهميّة الحياة ليست في إكتشاف الوجه السيء للشخص وإظهار ذلك . هذا لا يحررّك من نفسك . لا تعتقد أنّك أفضل من غيرك في الحضرة الإلهية . كلّ الناس هم ضدّ بعضهم البعض , لا يحبّوا الآخرين , يحسدوا الآخرين أو أعداء لبعضهم البعض . لكن في الحقيقة كلّهم متساوين .
لا تجعل نفسك تسبقك وإلاّ سيأخذوك إلى البلّوعة لتصبح جرذ . جميع الأنبياء دعوا الناس إلى حياة نظيفة ومحترمة . أنفسكم كالجرذان التي تقول " ماذا نفعل في المياه العذبة ؟ " " مياهنا هي مياه البلّوعة " .
إنّ أناس القرن العشرين هم ضدّ الأنبياء وخاصة النبي الأخير النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم , لأنه يدعونا لنأتي إلى المياه النظيفة . كلّ الناس يعتقدون بأنّهم أعلى من الآخرين وبأنّهم ليسوا على الأرض . إنّهم يدعّون " أنا أعلى منك " والآخر يقول للآخر " كلاّ , أنا أعلى منك " كلاهما يتكلّمان فقط من خلال أنفسهم . فالناس في هذا العالم يتبارون ضدّ بعضهم البعض ليكونوا أفضل من الآخر في الحياة المادية . الله عزّ وجلّ لا يحبّ ذلك . كلاّ . إنّه يحب أن يتنافسوا مع بعضهم البعض للتقّرب من الحضرة الإلهية .
الحياة البسيطة تعطي الإكتفاء للروح . يجب أن نكون مسرورين للنوم على الأرض . يجب أن نكون مسرورين لنكون مع بعضنا البعض . يجب أن نفرح بأنّه بمقدورنا أن نمشي ويجب أن نكون مسرورين بما نواجه من الناس . أنا أحاول أن أحوّل القوّة من يد أنفسكم إلى روحانيتكم .
إنّ الله عزّ وجلّ لم يوجد النفسّ لنؤذي أنفسنا . كلاّ . إنّها كالسلك الكهربائي الذي ليس لديه غطاء ليحميه وهذا ممكن أن يؤذيك . لا تستطع أن تمسّه أو تستعمله . وهكذا تكون قد خسرت أكبر فرصة منحك إيّاها الله عزّ وجلّ . لكن مع غطاء الحماية يمكنك أن تمسّه . إذا سألنا " لماذا هذا السلك المؤذي في الداخل ؟ " وإذا أزلته من البلاستيك فلا حاجة له ولخسرت هذه الطاقة الكبيرة . إنّ أنفسنا هي منحة كبيرة من الله عزّ وجلّ . النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم كان يقول بأنّه حصانك الذي ممكن أن تركبه للوصول لأيّ مكان تريد الوصول إليه .
ممكن أن تصل من خلاله إلى أعلى نقطة في الكون لكنك تتساءل " لماذا وضع الله النفس داخلنا ؟ "
إذا لم يكن هناك نفس سنكون كالملائكة . ولكن الله عزّ وجلّ أراد أن يكوّن مخلوق جديد , يختلف مئة بالمئة عن الملائكة . ( هناك هدف وحكمة من ذلك ) . لذا كوّن آدم عليه السلام ووضع فيه النفس . لو لم يضع الله عزّ وجلّ النفس في آدم عليه السلام لكان كالملائكة لا فرق بينهما . فدون النفس , دون هذا الحصان لا يمكنك الوصول إلى الشرف الذي منحه الله تعالى للمخلوقات التي لا نفس لها . هذه حكمة كبيرة يجب فهما .
يقول الله تعالى " إستخدم نفسك وتعال إليّ " .
عندما وصل أبو يزيد البسطامي قدّس الله سرّه إلى الحضرة الإلهية وطلب منه أن يدخل قال الله تعالى " يا أبو يزيد أترك نفسك الآن وتعال إليّ " . هذا يعني بأنّ الهدف الأساسي للنفس هو أن ترتفع من أسفل الدرجات إلى أعلاها . كالطائرة التي توصل صاحبها للهدف الذي يريده . إذا كانت الطائرة تنقلك من هنا إلى إلمانيا لا يمكنك أن تطلب من الطائرة أن تأخذك إلى غرفة النوم . كلا . الطائرة تقول يجب أن تنزل وتمشي . إنّها تقول " لا أستطع المجيء" . " حدّي إلى هنا " إتركني وإذهب " . لذلك أيّ إنسان يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية يجب أن يستعمل نفسه كحصان . لكن عندما تدخل إلى الحضرة الإلهية سيقول لك الله عزّ وجلّ " دع حصانك خارجا ثمّ تعال " . الحصان هو نفسك . لا تستطع أن تدخل إلى الحضرة الملكية وحصانك معك . لا .
إذا أستطعت أن تستخدم نفسك ستكون خادمتك . عندما تصل فلا أهميّة للنفس وممكن أن تقول لها إذهبي . ( كما تفعل الطائرة عندما تنزل ركّابها . ) النفس هي أعنف وأكثر مخلوق غير مطيع لخالقه الله عزّ وجلّ .لديها أسوء الصفات , والتي تمثّل كلّ العالم الحيواني فيها . الحيوانات الأليفة , الحيوانات التي تعيش في الغابات , وأكثر الحيوانات خطورة وفظاعة . جميع صفاتها موضوعين مع بعضهم البعض ووضعوا في أنفسنا .
لا يوجد مخلوق أقوى من أنفسنا ولا مخلوق أفيد منها . ممكن أن تأخذنا من أسفل الدرجات إلى أعلاها . نعم إنّها خطيرة , قويّة وعملها مهمّ أيضا . لا يوجد أي وسيلة ممكن أن تأخذ بني آدم من أسفل المستويات إلى أعلاها . الله عزّ وجلّ كوّن الأنفس ووضعها في الناس والله تعالى لا يخلق شيء دون حكمة . لقد قال " لقد كوّنت أبناء آدم عليه السلام ليكونوا خليفتي " . أنت تعرف , عندما يكون السلطان مع جنوده فهو يمتطي أسرع وأقوى حصان لديه . ( لا يكون الحصان هرم أو أنثى ) . لأنّه السلطان . لقد منح الله عزّ وجلّ ممثليه أبناء آدم عليه السلام فرس أقوى وأهم ليمتطيه . لقد وضعهم في أسفل المستويات على الأرض وقال " تعال إليّ " . لذلك قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم " نفسك هو رحلتك " .
هذه الحكمة كافية لكلّ البشرية ليفهموا أنفسهم . لكن البشر لم يفهموا ذلك ولذا وصلوا إلى مستوى أسوء من المستوى الأدنى الذي وضعهم الله فيه . فهم لا يفهموا سوى كيف يأكلوا ويشربوا ويتمتّعوا . لا أحد يفهم . هذه الرحلة لم تعطى لك فقط لتأكل وتشرب وتتمتّع . كلاّ . السلطان يتوقّع أن تركب عليها وتأتي إليه . هذه أكبر مشكلة في حياة البشرية .
كلّ الناس مشغولين بحصانهم . فهم يفرحوه بإطعامه , وإروائه وجعله يتمتّع بقدر الإمكان . لكن لا أحد يطلب أن يركب عليه ليصل . ربّما ممكن أن تجد واحد من بين العشرة آلاف الذي يفهم الحكمة وراء النفس .
كان النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم يركب في رحلته السماوية البراق في ليلة الإسراء والمعراج . عندما وصل إلى الحضرة الإلهية سأل جبريل عليه السلام " هل هناك معراج كهذا لأمّتي ". أجابه جبريل عليه السلام " نعم . وإذا إمتطوه سيصلوا أيضا , وسيصلوا إلى ما وصلت إليه " . إذا براق كلّ منّا هو هذه النفس الخطرة والقوية . لكن الناس لا يفهموا ذلك ولا يستعملوه . جميع الأنبياء دعوا شعوبهم ليكون هذا توجهّهم . هل تفهموا ذلك ؟
هذا باب أو مدخل الحكمة . ممكن أن تتوجه نحو الداخل وتأخذ أيّ قوّة تحتاج إليها . إذا لم تفعل ذلك ستبقى تحت سيطرة نفسك التي تطحنك فتجعلك غبار في المقبرة . لكن هؤلاء الفرسان الذين يمتطون فرسانهم خلال المقبرة لن تطحنهم الأرض وسيصلوا يوم البعث بنفس الجسد الذي سيشعّ كالشمس . الإنسان الذي يستعمل عقله يجب أن يصل إلى هذه المحطّة . لماذا تنتظر ؟ السلطان يبحث عنك . لماذا لا تحضّر نفسك لحضرته الإلهية .
إنّ الله عزّ وجلّ يسمع كلّ شيء , وهو ينظر ويسمع من أنت ويرى ما هي نيّتك وهدفك . عندما تعترض فهو يفهم بأنّ نفسك مازالت تعترض لتكن الأوّل بين المخوقات وتريد كلّ أوامرها أن تطاع . هذا هو السر الخفي وراء نفسك وعندما تسأل " لماذا حصل هذا ؟ " هنا تتساءل السماء "من هو هذا العبد الذي يدّعي الألوهية لنفسه . إنّه غير سعيد بألوهية إلاه السماوات ويعتقد بـأنّه يستطع أن يفكّر أفضل منه " . فهو يقول " بما أفكّر به بما يخصّ الموضوع هو أفضل مما حصل الآن " أستغفر الله .
أولئك الذين يلومون الآخرين ولا يحبّون أفعالهم وصفاتهم هم عبيد أنفسهم . الإنسان الذي يفتّش على طريق الكمال عليه أن يلوم نفسه أوّلا وينظر إلى عيبه قبل أن ينظر إلى عيوب الآخرين . الإنسان الذي ملؤه العيوب هو الوحيد الذي يرى العيوب من حوله . الإنسان الناقص يرى النقص فيمن حوله إلاّ في نفسه . وهذه هي الأنانية .
يجب أن تحاول أن تصلح نفسك . عندما تصلح نفسك وتصل إلى الكمال سوف تلوم نفسك فقط . نتمنّى أن لا نعي من أجل متعتنا لكن من أجل متعة الله عزّ وجلّ . نحب الحياة من أجل الله عزّ وجلّ وليس من أجل انفسنا . كلاّ إذا كنت أطلب أن أعيش من أجل نفسي . كلا . إذا كنت أتمنّى أن أعيش من أجل نفسي من الأفضل أن أموت , لكن إذا كان هدفي الله أحب أن أعيش .
أطلب دائما الحماية من نفسك . لقد خلقنا ضعفاء وأنفسنا تحملنا كما تحبّ . النفس في الجسد المادي لكلّ إنسان تمثّل الشيطان . عندما ينتهي الإنسان من طفولته ويبدأ بمرحلة النضج يقول إله السماوات " يجب أن تكون الآن عبدي " . إتبع فقط . يقول الشيطان " لا تتبع " ولديه حظّ أفضل من أن يتبع لأنّه يتوجّه إلى شهوتك المادية ويقول " يجب أن تحقق حاجاتك التي لا تنتهي . لا تسمع إلى أولئك الذين يقولوا لا تفعل ذلك أو ذاك . أنا أقول يجب أن تكون لديك الحريّة بأكملها حتّى الممات . " أكبر عدو لنا هو الشيطان . وأكبر ممثل له فينا هو أنفسنا . إنتبه من الشيطان إنتبه من نفسك .
الشيطان يحاول بإستمرار أن يخلط بين الأفكار الجيّدة والإيحآت التي تأتي إلى قلوبنا . عندما نريد أن نفعل شيء جيد يحاول الشيطان أن يهدمه حتّى لا نستفيد . ( أو أن نرفع مستوانا الذي هو غير متناهي ) الشيطان يجعلك تقوم بما هو مخالف للشريعة الإلهية . يحاول أن يغشّك مرارا وأنت تقول لا لم يفعل . شيء مريع ! تقول " أنا بخير " " في حالة الكمال " . أستغفر الله .
في كلّ خطوة سيكون هناك الكثير من العوائق التي تحاول أن تعيقك من الوصول إلى الحقيقة . عندما يصبح هناك صعوبة في الوصول إلى الحقيقة سيجد الشيطان طريق ليغشّك . ( بطرق مصطنعة وإنتاج العقل ) . يعلّم الناس ويقول لهم " هذه هي الحقيقة " . إذا لم نكسر سلاسل شهواتنا سنبقى عبيدا . إذا كنت عبدا لنفسك فأنت أوتوماتيكيا عبدا لهذه الدنيا , للشيطان والحاجات الجسدية . لا يمكن أن يكون عبدا لنفسك فقط , فكلّهم مرتبط بعضهم ببعض . إذا إلتقط أحدهم فيك وكنت عبدا له فأنت عبدا لهم جميعا . إذا حرّرت وكنت بمأمن من نفسك لن تخدع من الشيطان ولن تكون غبيا لتقع في أيدي نفسك . عندما تقول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فهذا يعني بأنّك تسأل حماية الله تعالى .
الفاتحة