أدب يا هو
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
4 يناير 2013 – 22 صفر 1434
ألبسكم الله لباس السعادة والعافية والهيبة. زادنا الله نوراً بالإيمان والإسلام وألبسنا بهما لباساً يواري به قبح مظهرنا. أعاذنا الله من أن نكون من المقبوحين، وقد خلقنا الله سبحانه وتعالى في أحسن شكل، "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"، (التين:4). والذي يقبح مظهرنا هو لبسنا ثوب القذارة والعفن على أجسامنا النظيفة. حفظنا الله من تلك الملابس الشيطانية. يُخلع علينا، كل يوم ثياباً نظيفة عند صلاة الفجر، فينعم ظواهرنا مع بواطننا بالطهر والأنوار والسعادة .. نشكر الله شكراً لا نهاية له، لعطائه وكرمه. نحن لم نقدم طلباً لنأتي إلى الوجود. وإنما هو عطاء من الله سبحانه وتعالى لنا، إذ خلقنا وجعلنا من بني آدم. وقد قال الله سبحانه وتعالى، "وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ" (الإسراء:70). وكان شيخنا، سلطان الأولياء يقول، بأن هذه الآية تحمل بحوراً من المعاني. وعلم الله سبحانه وتعالى شيء وما فُتح لنا شيء آخر. ما عند الله سبحانه وتعالى من العلم بحور. وما أطلع عليه نبينا، عليه الصلاة والسلام، بعطائه وكرمه، من تلك البحور كثير. ومن ثم، على حسب مراتبهم، يكسى الأنبياء والأولياء من تلك العلوم والمعارف.
"ولقد كرمنا .." اللام، لام القسم، وقد للتحقيق. معنى، أقسمت بعزتي وجلالي أن قد "كرمنا". من كرمت؟ قال سبحانه وتعالى، "بني آدم". وذلك التكريم من يوم العهد والميثاق؛ يوم "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟" "قاَلُوا بَلاَ". يوم لا وجود لزمان ولا لمكان. حيث من المستحيل فهم هذا الأمر؛ "وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ".
"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"، (الأعراف:172).
منذ متى وأنتم مسلمون؟ نحن مسلمون منذ، "قَالُوا بَلاَ"، الحمد والشكر لله. نسأل الله أن يحفظ إيماننا .. نسأل الله أن لا يحرمنا من الأدب. لذلك قال يونس، قدس الله سره، "سألت في مجالس أهل العرفان، عن العلم والأدب أيهما أفضل؟ فقيل، أن العلم يأتي بعد الأدب .. إلا الأدب .. إلا الأدب!" علّم الأدب يا شيخ محمد أفندي! (يقوله لابنه مولانا الشيخ محمد أفندي) .. فماذا يطلبون في مجالس العرفان؟ هم لا يطلبون العلم. بل يطلبون الأدب. بالأدب تُنال مراتب القرب من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله عليه الصلاة والسلام. بالأدب يتحقق القرب من الله ورسوله. ومن لا أدب له، فهو مطرود مرفوض. الناس لا يسعون إليه ولا يطلبونه. بل يعتبرون أنفسهم حيوانات برجلين. بدلاً من أربعة أرجل. هؤلاء الناس، أصبحت صفتهم كهذا. عافانا الله!
"سألت في مجالس أهل العرفان .. العلم يأتي بعد الأدب .. إلا الأدب .. إلا الأدب. علينا أن نتعلم الأدب، يجب أن نجد أولياء الله المباركين، الذين يمكنهم أن يعلمونا الأدب. يا أولياء الله! .. يا أولياء الله! .. نطلب منكم العون والمدد السماوي. لا تحرمونا من نظرة منكم! حاولنا تعلم الأدب كل هذه السنوات في حضرة شيخنا، سلطان الأولياء. علمنا الأدب، وليس "نصر ينصر .. " (القواعد الأساسية للغة العربية). ما يطلب في مجالس العرفان؛ في مجالس الحكمة هو الأدب. إنه الأدب. ومن لا أدب له لا يقرب الباب. يا ربي، بأمرك نتحدث هنا وبإذن رسوله الأعظم، صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن يجمعنا مع أهل الأدب لنتعلم منهم الأدب، ونعوذ بالله من سوء الأدب. يوم القيامة، يفصل بين من تحلوا بالأدب وبين من تخلوا عنه. أهل الأدب يدخلون الجنة. ومن ساء أدبه يقذف في ظلمات أفعالهم. اللهم ابعث لنا نوراً ..
"يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، (الحديد:12).
النور يجلب السرور. فعندما ينزل النور على قلب المرء يصبح مسروراً، ويمتلئ بالبهجة والمحبة. أسأل الله أن يجعل النور في وجهك والسرور في قلبك .. أدعو بهذا الدعاء، وادعوا الناس إلى النور. كل كلمة نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، هي دعوة للنور. شاهد النور فيها وتحدث عنها.. دستور يا رجال الله .. يا أولياء الله المباركين، أمدونا بمددكم!
في الزمن الماضي، كان الناس يعلقون في بيوتهم لافتات مكتوب عليها، "أدب يا هو". أكتبوها وعلقوها في بيوتكم ..أخبر الجميع بهذا! .. العلم يأتي بعد الأدب .. إلا الأدب .. إلا الأدب. يا ربي يا الله .. ماذا يمكننا أن نفعل؟ .. ماذا عسانا أن نفعل؟ .. نحن في زمن قل فيه الرجال، إلا أن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بسلطان الأولياء، الذي يمدنا بمدد رباني فياض، من خلاله نستقي من كأس النبي المكرم،عليه الصلاة والسلام ونتشرف به. أفض من ذلك الكأس للناس واملأهم بالمحبة .. لا تخف .. لا تخف .. يا ربي، لا تحرمنا من نورك .. لا تتركنا من غير نور .. يا ربي .. لا تجعلنا من أهل الظلمات، الذين يركضون خلف الدنيا. ومن يتبع أولياء الله يدخل في حمى نبينا، صلى الله عليه وسلم وسلطنته. أولئك أهل النور والمحبة. يا ربي هب لي ولأولادي .. لبهاء الدين ولرقية وللجميع من بحار أنوارك .. لا أقول ذرة. فإن الذرة يمكنها جعل جميع الخلق رأساً على عقب.
بحر الأدب .. الله الله .. ما أجمله من كلام! "سألت في مجالس العرفان؛ أهل الحكمة والمعرفة، فقالوا: العلم يأتي في الأخير .. إلا الأدب .. إلا الأدب .. قال عليه الصلاة والسلام، "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، (رواه ابن عساكر عن أنس بسند ضعيف).
يا ربنا، ماذا يمكننا أن نفعل؟ .. ماذا عسانا أن نفعل؟ .. (وقد غلبه البكاء) ماذا عسانا أن نفعل؟ .. ماذا علينا أن نفعل؟ .. إلى مجالس الأولياء، دخلنا الحمد لله، من خلال شيخنا سلطان الأولياء. وأنت أيضاً، لم يحرمك الله سبحانه وتعالى منهم. لقد كنت في مجلس سلطان الأولياء (يشير إلى ابنه مولانا الشيخ محمد أفندي) .. أخذت إليه هذا الابن المبارك في اليوم الأول، الذي ولد فيه .. والآخرون مباركون أيضاً، كلهم. لذلك قُبلوا .. ابني هذا، يحمل لقب "الأفندي" (مولانا الشيخ محمد أفندي). جعل الله حفيدي هذا أيضاً، وابني بهاء وجميع أولادنا من أهل الأدب .. جعلهم الله سبحانه وتعالى من أهل الأدب .. الله .. "أدبني ربي فأحسن تأديبي" .. ونحن تركنا في الوسط، في حالة حيث ينتهي الأدب .. أمان يا ربي .. اقرأ علي يا حاج محمد .. الله يزيد فيضك .. (وضع الشيخ محمد يده على صدر مولانا وقرأ عليه) .. بارك الله فيك .. بارك الله فيك .. جعل الله أياماً خيراً .. رزقنا الله خير ما في صفر الخير، وصب الله ما ينزل فيه من البلاء على الجبال .. اللهم لا تنزله على رؤوس الناس، بل صبه على الجبال.
كل فرد يعيش تجلي ذاته. ولا يمكننا أن نتدخل، لحكمة ما. ولأن البعض يهربون من النور، تنزل عليهم المصائب. ولو سعينا نحو النور، لكان وضعنا مختلفاً. العالم الإسلامي، ترك سبل النور وابتعد عنه، وتوجه نحو ظلمة الإفرنج الكفرة. ولذلك لا يجدون الراحة والأمان. يعيشون في كفاح مستمر، ولا يجدون طعماً لحياتهم. ولو أنهم ذكروا الله وقالوا .. "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. "أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ" .. استمر في ذلك .. لا تخف .. لا تخف .. تقبل الله خدمتك. شكراً لله سبحانه وتعالى. وأصلي وأسلم على حبيبه ونبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم.
صحابي جليل مثل سيدنا أبي أيوب الأنصاري، وهو من كبار الصحابة، قبله وأذن له بالخطابة. (يشير إلى ابنه مولانا الشيخ محمد أفندي) .. أنا سعيد به وفخور به كثيراً .. مقامه عالي، لذلك أريده أن يخاطب الناس هناك (في مقام سيدنا أبي أيوب الأنصاري). (يتوجه إلى ابنه) خاطب الناس هناك أو في أي مكان تريد .. الباب مفتوح لك. لقد أُعطيت الإجازة. طالما أن السلطان العظيم، أبا أيوب الأنصاري أعطاك الإجازة للخطابة في مقامه، فيمكنك أن تتحدث في أي مكان تريد .. قبّل طرف عباءة السلطان وقل، "دستور" وابدأ بالكلام .. زادك الله هيبة وشرفاً وعلماً .. تقديم الخدمة للصحابة الكرام، رضي الله عنهم، يشرفنا .. الله الله الله .. لم أكن لأتخيل، أنك ستقدم صحبة (خطاباً) في حضرة سيدنا أبي أيوب الأنصاري. كان هذا شرفاً عظيماً بالنسبة لي. ليس من السهل أن تتحدث في مقام حضرة سيدنا أبي أيوب الأنصاري. ولو لم يعط الإذن بذلك، لما أمكنك أن تقول كلمتان. يا أيها المشرف، يا صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا حضرة السلطان أبا أيوب، اقبل ابني خادماً عندك! .. أرجو منك أن تقبله يا سلطان! زده من فيضك وسيهز الكون. ويقوم بخدمة أمة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. خدمته ليست لنيل المراتب، بل مرضاة لله ولرسوله، صلى الله عليه وسلم. زادك الله نوراً في وجهك وقلبك يا ولدي .. وهذا أيضاً، (يشير إلى حفيده) له قدرات وموهوب جداً؛ محمد ناظم. زاده الله قوة .. عليك تدريبه، يا محمد أفندي! ومن الله التوفيق. اللهم اجعل أيامنا خيراً وأعمالنا صالحاً وارزقنا حسن الخاتمة. اللهم إنا نعوذ بك من البلاء والمصائب ونعوذ بك من شر الكفار والشياطين ومن شر الأشرار، الذين يتبعون هوى نفوسهم. اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. تحدث على حسب إلهامك .. لا يوجد أحد هناك الآن، يستطيع أن يقف في طريقك. الفاتحة.
نرجو أن يبدأ يومنا بالفلاح وينتهي بالخير. زادنا الله نوراً ومحبة لنقوى على العبادة والخدمة، على قدر المستطاع. ونحيى لشرف حبيب رب العالمين، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. وببركة حضرة السلطانة أم حرام (الصحابية الجليلة رضي الله عنها) .. شكراً لله .. شكراً لله. اللهم اجعل يومنا هذا أفضل من أمسنا، وغدنا أفضل من يومنا .. يا ولدي لا تخف .. قال النبي عليه الصلاة والسلام للصديق في الغار، "لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" .. قال له، لا تخف! إذا كان الله معنا، فلماذا تخاف منهم؛ من هؤلاء المشركين؟ .. أراه الله سبحانه وتعالى بحراً من الجن على أتم الاستعداد، لأخذ النبي عليه الصلاة والسلام من هناك. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال، لا حاجة لي بهم، فهؤلاء (المشركون) سينصرفون. جاءت طائفة من الجن لأخذه، فقال عليه الصلاة والسلام، "لا حاجة" .. وكان سيدنا أبو بكر الصديق يرتجف من الخوف .. "لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" .. الله أكبر .. شكراً لله .. شكراً للسلطان الغني .. وصلاة وسلاماً لا نهاية له، لنبينا صلى الله عليه وسلم... أريد أن أقف لتعظيم النبي الكريم، عليه الصلاة والسلام (يقوم مولانا) .. ارزقني الصحة والقوة يا رب. الفاتحة. الدنيا ستفتح لك. لا تنظر إلى أي شيء .. امض مثل الأسد! إذنك يصل شرقاً وغرباً. (مولانا الشيخ محمد أفندي يقبل يد مولانا) .. يقول مولانا: "أنا أيضاً أقبل يدك" .. الشيخ محمد أفندي: "أستغفر الله .. أستغفر الله"
لا إله إلا الله .. إلا الله .. إلا الله .. (حفيده الشيخ محمد ناظم يقبل يده) .. أنت أيضاً اقرأ علي يا محمد، (وضع الشيخ محمد يده على صدر مولانا وقرأ عليه) .. تجلي والدك (الشيخ بهاء الدين) وتجلي عمك (الشيخ محمد أفندي) مختلفان. عمك، صفته جلالي .. له هيبة. أما والدك فتجليه تجل جمالي. ونحن تُركنا في الوسط .. لا جمالي ولا جلالي؛ لا شيء على الإطلاق