بسم الله الرحمن الرحيم
ولقد كرمنا بني آدم
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
20 يوليو 2012 – 1 رمضان 1433
(بعد القيام بصلاة ركعتين لله تعالى وقف مولانا ثم قال): أيها الناس قولوا الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. قولوا وارتاحوا! .. آمنوا ترتاح قلوبكم! .. أجسامكم وقلوبكم ستكون مطمئنة، ولكم الجنة في الآخرة، خالدين فيها أبداً. ثم الصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، الذي علم الناس ما ينفعهم، وشوقهم إلى الحياة الطيبة .. يا سيد الأولين والآخرين، يا رسول الله! (مولانا يجلس).
أيها الإنسان! لك منتهى التشريف بين خلق الله. نلت من الله جل وعلا تشريفاً لم يعط لأحد من خلقه.
أيها العلماء الكرام! .. يا من تعرفون شيئاً من القرآن العظيم! قال الله سبحانه وتعالى .. (مولانا يقف تعظيماً لله تعالى)، وتكفينا هذه الآية الكريمة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى، جل من قائل: {وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}، (الإسراء:70). هل تفهمون هذه الآية؟ ومن لا يفهم يسقط من درجة الإنسانية! قال عظيم الشأن؛ الله سبحانه وتعالى تعظيماً لبني آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ} .. تكريم إلهي .. الإنسان مكرم من بين كل المخلوقات والموجودات .. ألبسه لباس التكريم، الذي لا يمكن لأحد أن يلَبِّسه إياه، إلا رب العزة .. هو سبحانه وتعالى، خلع عليكم خلعة الكرامة .. تكريم إلهي .. الله، الله! .. فلماذا لا تعلمون الناس ذلك؟
أيها المسلمون، وبالأخص أخاطب الأمراء وحكام الدول! كل الناس من نسل آدم عليه السلام. وبنو آدم تحت تصرفكم. وأنتم مكلفون بتربيتهم ورعايتهم.
أيها الناس! .. أيها العلماء! .. أيها المؤمنون! يجب أن تعرفوا أول الأمر، ما هي صفتكم، بماذا ألبسكم ربكم! "وَلَقَدْ كَرَّمْناَ"، هنا "اللام" للقسم، و"قد" للتحقيق. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}، (مولانا يقوم تعظيماً لله تعالى) .. ما أحلى كلام الحق، سبحانه وتعالى! أي شرف أعظم من هذا، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}، تكريم لا يمكن لأحد أن يصفه، ولا يعرف دقائق معانيه، إلا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، الذي تعلم من الحق جل وعلا. ومن ثم سائر الأنبياء وأهل العلم والمعرفة، كل على مراتبهم. وهذا مهم جداً، ولا بد من إقراره في مناهج التعليم في المدارس، ليتعلمه الطلاب.
ما هي صفة بني آدم؟ التكريم صفة عظيمة، لا يعرف لها أول ولا آخر. ولا يعرفها أيٌّ كان. إلا ما فتح لبعضهم، على حسب مراتبهم. فتح الله عز وجل لحبيبه، صلى الله عليه وسلم شيئاً في حق تكريم بني آدم. وهذا العلم يفتح للأنبياء عليهم السلام، وفقاً لمراتبهم، وكذلك أهل العلم. وما فُتح لهم لا يعد نقطة من بحر.
أليس هذا تعليم الحق للبشر؟ أوجه سؤالي إلى مسلمي العرب أول الأمر، هل فهمتم شيئاً؟ .. لماذا قال الله عز وجل، {وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}؟ هل تحققتم من معناه؟ .. معناه، أن لكل إنسان له كرامة عند بارئه. أول الأمر، فُتح لنبي آخر الزمان، الذي أنزل عليه القرآن الكريم، من بحور معاني التكريم.، وذاق منها. ثم أهل العلم والمعرفة، على مراتبهم، تعلموا وذاقوا ذوقاً حقيقياً أو تقليدياً .. ذاقوا معنى التكريم؛ تكريم الحق سبحانه وتعالى .. هوووو سبحان الله!
{قاَلَ هَلْ عَلِمْتُمْ ماَ فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاَهِلوُنَ}، (يوسف: 89). سبحان الله! .. من أين جاء هذا؟ .. ما المقصود بـ "هَلْ عَلِمْتُمْ"؟ العلم في حق سيدنا يوسف وأخيه. ذلك العلم فُتح أولاً، لسيدنا يعقوب عليه السلام. وكان سيدنا يعقوب عاشقاً لسيدنا يوسف عليهما السلام. وعشقه لم يكن لشكله الظاهري وجمال وجهه الذي كان مثل القمر ليلة البدر. لا! سيدنا يوسف، ليس جماله في وجهه فحسب. ولم يكن محبوباً ومرغوباً عند أبيه، سيدنا يعقوب عليهما السلام لجمال وجهه فحسب. لا .. أبداً! سبحان الله! .. الله أكبر! ما ظنكم يا علماء الأزهر الشريف والحرمين الشريفين؟ .. ما ظنكم؟ هل تظنون أن سيدنا يعقوب كان يعشق سيدنا يوسف لجمال وجهه؟ كلا! سيدنا يوسف عليه السلام كان وجهه كالقمر ليلة البدر، (مولانا يقف تكريما لسيدنا يوسف عليه السلام)، وكان يظهر على وجهه أثر تكريم الحق سبحانه وتعالى لبني آدم ظاهرياً وليس باطنياً .. ما شاء الله! وفُتح هذا الباب قليلاً لسيدنا يعقوب عليه السلام وظهرت له كرامة ابنه يوسف عليهما السلام. ظهر في وجهه التكريم الذي لم يظهر على أي واحد من إخوته. ولذلك، كان سيدنا يعقوب عاشقاً لسيدنا يوسف، ليس لرؤية ظاهر جماله، وإنما ظهر له من تكريم الحق من مختلف الجهات، ما لم يقدر على تحمله .. لم يتحمل، سيدنا يعقوب عليه السلام .. لا إله إلا الله ..
{هَلْ عَلِمْتُمْ ماَ فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ}؟ كان ليوسف أحد عشر إخوة. وكان إخوته أيضاً يعشقونه. ولكن ما فُتح لأبيهم لم يُفتح لهم. ولهذا كان يجن جنونهم شوقاً لرؤية ذلك .. ثم وقع ما وقع ..
{هَلْ عَلِمْتُمْ ماَ فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ}. كان إخوة سيدنا يوسف في ذلك الوقت، يعشقون على قدر مراتبهم، من اختص بتكريم الحق جل وعلا، أمثال سيدنا يعقوب عليه السلام، الذي أكرم برؤية ذلك التكريم على وجه ابنه يوسف عليه السلام. وما ذاك التكريم الذي ظهر على سيدنا يوسف عليه السلام، إلا بمثابة قطرة من بحر التكريم. وأدنى مرتبة فيها لا يمكن لأي شخص أن يتحمل أن ينظر إليه .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
{وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}. الإنسان مكرّم. وما يعرفه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكريم الموجود بين المخلوقات لا أحد يعرفه، (مولانا يقوم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يجلس). ولا يمكن لأحد أن يدرك ما ظهر لسيدنا يعقوب وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكريم الإلهي لسيدنا يوسف عليه السلام. والرسول عليه الصلاة والسلام نال من التكريم غير ما ناله سيدنا يوسف. وكل إنسان له تكريم من الحق سبحانه وتعالى.
{وَلَقَدْ كَرَّمْناَ بَنِي آدَمَ}. بأي شيء كرّمهم؟ هل بالأعمال التي يقومون بها في هذه الدنيا؟ كلا! .. عفا الله عني وعنكم!
أيها الناس! جن إخوة سيدنا يوسف عليه السلام من شدة حرصهم لرؤية أثر التكريم الذي عليه وقالوا، "نفدي أرواحنا كي نرى ذلك" .. حتى حصل ما حصل إلى آخر القصة في السورة الكريمة .. فلما ارتاحت قلوبهم قليلا سجدوا .. {إِذْ قاَلَ يُوسُفُ ِلأَبِيهِ ياَ أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساَجِدِينَ}، (يوسف:4). سجد أبوه سيدنا يعقوب وأمه (خالته ليا) وجميع إخوته، {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}، (يوسف:100) .. أحد عشر كوكباً كانوا عاشقين لذلك التكريم الذي حظي به سيدنا يوسف عليه السلام، حتى سجدوا في النهاية .. ليس من السهل أن ينال الإنسان ما يطلبه.
أيها العلماء! أنتم علماء وتعرفون شيئاً .. ولكن الله يعطي لعباده كما يحب ويرضى. ما أسلفناه شيء بسيط .. لو أطلنا الحديث وجلسنا نغترف من هذا البحر حتى الصباح أو الجمعة القادمة، فلن ينتهي حديثنا. ولذلك سنتوقف. وقد ألهم هذا على قلبي اليوم؛ يوم الأربعاء، حيث حصلت أمور مؤسفة في ديار الشام. ولا يليق أن يقع مثل هذا في أرض الشام. فأرض الشام كنانة الله.
وحديثنا يمكن أن يطول، ولكن أحببت أن أذكر أن كل إنسان مكرم عند ربه. {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ}، (الواقعة:79) .. جسمانيتهم وروحانيتهم مطهرة. ومن شدة حسده، أوقع إبليس هذه الفتنة بين يوسف وإخوته. وعلى الدوام يفتعل إبليس، عليه ما يستحق، الفتن بين بني آدم المكرمين عند ربهم، ويوقع بينهم الحروب والمشاكل. وبأكاذيبه غرر بهم، حتى تركوا تكريم بعضهم البعض. وذلك حسداً منه، لأن الله عز وجل كرم بني آدم.
واليوم حصلت أمور في ديار الشام ما كان ينبغي أن يحدث .. آسف .. آسف .. لكن هناك معاني عميقة ستظهر بكل وضوح. نرجو من الله أن يصحح أفكار بني آدم وخطواتهم تجاه بعضهم البعض. وأن يسعى كل طرف في تكريم الطرف الآخر، كما كرمنا به ربنا جل وعلا. وألف ألف صلاة وألف ألف سلام على رسول الله، رسول عرش الله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقوم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم). ومن الله التوفيق .. الله يصلح الأمور .. نرجو من الله أن يكون هذا قريباً جداً .. الفاتحة.