بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
16 يونيو 2011 -15 رجب 1432
لكل إنسان هم في صدره، وعلاج همي أنا هو الرحمن الرحيم. يقول الله جل وعلا،
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراَتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، (البقرة:155).
{فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذاَ مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذاَ ماَ ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}، (الفجر:15-16).
والابتلاء هو امتحان واختبار من الله جل وعلا لعباده. والمرض نوع من الامتحان، وكذلك الموت والفقر والغنى. والإفلاس نوع من الامتحان والتعافي منه كذلك. فقد قال جل وعلا، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} معنى هذا أنه ما من أحد معفى من الامتحان، ولا يوجد إنسان ليس له هم أو مشاكل. وأنتم كذلك ستدخلون تحت وطأة الاختبار ولا مفر من ذلك.
الحمل الذي يُحمّل به الصبي الذي بلغ من العمر عشر سنين، ليس كالذي يحمّل به صبي بعمر الخمسة عشر. والحمل الذي يحمّل به الصبي ذو الخمسة عشر ربيعاً ليس كالذي يحمّل به شاب في العشرين من عمره. فكلٌّ يحمّل على قدر صلابة جسمه، وعلى قدر طاقته. معنى ذلك، أنكم ستدخلون تحت وطأة الاختبار،{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}، (إبراهيم:12). فهذه الآية تشير على وجوب الصبر على البلاء.
والله سبحانه وتعالى يحب من عباده الشاكرين. لماذا؟ لأن أغلب الناس يغفلون عن الشكر لنعم الله وأفضاله، سبحانه وتعالى. {وَقَلِيلٌ من عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، (سبأ:13). فإذا ما أصابتهم ضائقة وابتلوا بالمحن والمصائب قالوا، "أمان يا ربي!" وأما إذا فرج عنهم وأنعم عليهم، فإذا هم غافلون.
{وَإِذاَ أَنْعَمْناَ عَلىَ الإِنْساَنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجاَنِبِهِ وَإِذاَ مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}، (فصلت:51).
هكذا هُم. عند الضيق يذكرون ربهم ويقولون، "أمان يا ربي .. أنت ملاذنا في محنتنا!" .. ولذلك، كل البشر يدخلون تحت الامتحان. ويجازى كل من اجتاز ذلك الامتحان. خلاصة الكلام أن الله جل وعلا لا يبتلي أحداً بدون سبب أو علة. يُمتحن الطلاب في المدارس، فمن اجتاز الامتحان رفع إلى المستوى الثاني. ومن لم يستطع اجتيازه بقي في محله. {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ}. والمقصد من وراء الامتحان اختبار العبد في كيفية معالجته للأمر الذي نزل عليه. ولا تنال المقامات الإلهية، إلا بعد الدخول في الامتحان.
كل الناس، في هذه الدنيا تحت وطأة الاختبار، شباباً وشيباً، نساءً ورجالاً؛ فالكل ممتحن. وعند كل امتحان هناك مسألة الترقي أو السقوط. وعلينا أن لا نغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى في كل الأحيان وفي كل الظروف. فعند الشدائد نقول، "أمان يا ربي!" وعند الفرج ننسى أن نقول، "شكراً لك يا ربي!"
والآن الكل في حيرة وجن جنون العالم. وتخطوا حدود البشرية، ووقعت الطامة على رؤوس الجميع. ولم يعد أحد يشعر بالسلامة. ولم يعد هناك راحة وأمان، لا في بيوتهم ولا في حيهم ولا في أماكن عملهم. ولم يعد هناك راحة في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار. لذلك ترى الناس يتراكضون في الشوارع، وفي كل مكان ولكن بدون جدوى. لا يفيدهم ذلك لأنهم نسوا ذكر ربهم، الذي خلقهم.
إذا قال العبد، "أمان يا ربي!" يقول له ربه "لبيك يا عبدي!" فيقول العبد، "يا ربي! أنت أعلم بحالي". فيقول الله جل وعلا، "يا عبدي! هذا حالك وأنا أعلم به، ولكن هل أردت أنا ذلك لك، أم أنك جلبتها على نفسك؟ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}، (الشورى:30) .. أنت تسببت في وقوع ذلك البلاء عليك. وإذا وقع البلاء، انعدمت الراحة والأمان".
رجل غني نسي ربه، فأذهبَ ماله كله وأصبح معدوماً، فصاح، "أمان يا ربي!" فيقول الله عز وجل، "ولكنك لم تقل، لك الحمد والشكر يا ربي، عندما أغدقت عليك المال وباركت في رزقك. ومن حيث لا تدري تسببتَ في ضياع مالك. فعندما تعسرت عليك الأمور تقول، "أمان يا ربي؟" .. لقد أغدقنا عليك المال وباركنا لك في رزقك، فلم تقم بشكرنا .. فهذا هو سبب زوال البركة من مالك! وعندما ثقلت عليك الأعباء وبدأت تحطم ظهرك صرخت، "أمان يا ربي؟" ..
أصبح هذا ديدن كل الناس؛ يركضون خلف الدنيا، ليصيبوا من متاعها، ثم يقعون في حبها، فتصبح الدنيا معشوقتهم، فيتنافسون عليها ويتقاتلون من أجلها. حينها تزول المودة والرحمة بينهم، ولا يبقى فيهم أحد يقيم اعتباراً للآخرين. غفر الله لنا! .. تأزمت الأوضاع ورجع بنا الدهر إلى العصر الجاهلي. حفنة من الناس فقط، من يستخدم عقله. فلو أن الناس شغلوا عقولهم قليلاً، لوجدوا السلامة والطمأنينة.
القطار يحتاج إلى الوقود ليتحرك. فعندما تملؤه بالوقود يتحرك. وإذا نفذ الوقود توقف .. "لماذا توقف القطار؟ .. لماذا لا نتحرك؟ ماذا حصل؟" "لقد استهلكتم كل ما لديكم من وقود حتى وصلتم إلى هنا. والآن تريدون مواصلة الطريق، ولكن لا مزيد من الوقود!" .. هذا حالكم في هذه الدنيا، وأما حالكم في الآخرة فسيكون أسوأ. أعاذنا الله!
شكراً لك على مجيئك يا أحمد أفندي، فقد قطعت طريقاً طويلاً. الحمد لله والشكر لله. فإذا قلنا، "شكراً لك يا ربي!" سجلت أسماؤنا في سجل الشاكرين. ومقام الشكر أعظم من مقام الصبر. فكن من الشاكرين في كل الأحوال. ومن لا يشكر الله جل وعلا، لن يذوق طعم الأمن والراحة في هذه الدنيا. لذلك، دائماً يلقى في روعي أن أقول: "شكراً لك يا ربي!" في الحقيقة، عندما أقول، "شكراً يا ربي!" أشعر بخفة وراحة في قلبي.
عندما تسأل أحداً عن حاله يرد عليك قائلاً وهو مثقل بالأعباء، "الحمد لله!" يحمل من الأعباء، ما لا يمكن إزالته أو التخفيف عنه. وأما الآخر فيرد عليك، "الحمد لله والشكر لله!" .. شكراً لله، أنا بخير". يقول الله جل وعلا، "لن أعامل عبدي معاملة الكاذبين. بل أرفعُه إلى مقام الشاكرين وأضعُ عنه أعباءه" .. شكراً لله جل وعلا على كل حال .. شكراً كثيراً يا ربنا! في الصلاة نتلوا الفاتحة ونقول، "الحمد لله" وخارج الصلاة، عندما يسألني أحدهم، "كيف حالك يا شيخ أفندي؟" أرد عليه قائلاً، "الشكر لله، أنا بأحسن حال". فيقول الله جل وعلا للملائكة، لا تختبروا كذب عبدي. واحملوا عنه عبئه، حتى يداوم على شكري، فأنا أحب الشاكرين. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، (سبأ:13). يا رب اجعلنا مع الشاكرين، الذين هم قلة بين عبادك!
مهما سألت، فلن تجد أحداً يرد، "الحمد لله والشكر لله على كل حال، أنا بخير وفي أحسن حال". إن الله جل وعلا يحب تلك القلة من عباده الشاكرين. فأين من يشكر، والكل يشكوا؟ .. الشكر لله، الشكر لله .. الفاتحة.