بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة الرغائب
مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
صحبة الجمعة 3 يونيو 2011 – 2 رجب 1432
اللهم زينا بزينة القرآن، ولبسنا هيبة الإيمان، وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، يا رحمن، يا رحمن، يا رحيم يا الله، بجاه من أنزلت عليه سورة الفاتحة.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا اللهُ، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا اللهُ، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. يا ربي يا الله صل على حبيبك، سيد الأولين والآخرين، في مثل هذا اليوم الشريف، شرّفنا يا ربي بشرف المصطفى، شرّف أمته في الدارين يا الله، يا معين العاجزين، أيدنا على أعدائه ظاهراً وباطناً. فاقبل معذرتنا يا ربنا. يا رب استعملنا بطاعتك. يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين. الفاتحة.
السلام عليكم! بداية نصلي ونسلم على سيد الأولين والآخرين، في يوم شرفه الله جل وعلا، في ليلة أول رجب المرجّب، وسمي رجب شهر الله. أيها الحاضرون اسمعوا وعوا!
دستور يا رجال الله! مدد يا أنبياء الله! مدد يا رجال الملكوت! أمدونا بمددكم! نحن عباد الله الضعفاء .. هو القوي ونحن الضعفاء .. هو ربنا وخالقنا .. هو الله (مولانا يقف تعظيماً للخالق جل وعلا).. سبحانك، سلطانك يا رب! أنت ربنا ونحن عبيدك الضعفاء .. أنت خالقنا وأنت ملك الملوك من الأزل إلى الأبد، (مولانا يجلس).
اليوم يوم مبارك في شهر رجب المبارك. فحاولوا قدر المستطاع تعظيم هذا الشهر المبارك وتقديره. روي أنه في أول ليلة جمعة من شهر رجب الحرام انتقل النور المحمدي الملكوتي من جبهة عبد الله والد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمه المباركة آمنة، واستضاءت السموات والأرض من ذلك النور. وكسيت الملائكة بحلل لم يلبسوا مثلها من قبل. وفي هذه المناسبة من كل سنة يكسون بحلل غير التي ألبسوا بها في العام الماضي، على حسب التجلي الموجود في تلك السنة. فالله سبحانه وتعالى لا يصنع نسخاً. فجميع من في السموات يكسون بحلل مباركة من الملكوت لا يقابله مثيل. فيتساءلون، "ما الذي حصل؟" فيقال، "الليلة هي ليلة النسمة المباركة لأصل كل الخلائق وخاتم الأنبياء والمرسلين. الليلة انتقلت الأمانة المقدسة إلى أمه، وشرفت بأعظم نعمة من الملكوت. فتزينت السموات احتفاءً بهذه المناسبة المباركة، وكسي الجميع بحلة الكرامة. وهذه المناسبة تتكرر كل سنة، تكريماً للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يكسى فيها بجاهه أولياء الله أيضاً، بحلل مختلفة عما كسوا بها من قبل، وكذلك مختلفة عما كسي بها الآخرون. وكذلك تكسى أرواح بني آدم، من سكان الأرض، الذين بلغتهم تلك الليلة. وتلك الحلل ليست نفس الشكل، كالبذل الرسمية التي يلبسها الجنود. تلك ليست لباساً رسمية، بل هي حلل من الملكوت يكسون بها كل سنة احتفاءً بالنسمة المباركة لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم. وما وصل إلى الدنيا من تلك النسمة الشريفة، إلا جزء من ذرة واحدة. فالأرض لا تستطيع تحمل أكثر من ذلك ولا الخلائق. والحقيقة المحمدية لا يمكن لأحد معرفته، إلا الله جل وعلا.
تلك ليلة عظيمة، ولكن الناس نائمون. الناس سكارى. يا رب انشلنا من حالة السكر التي نحن فيه، ولا تشغلنا بسفاسف الأمور واحفظ ذواتنا الحقيقية من التعلق بها! حقيقة، ذواتنا التي خلقنا الله سبحانه وتعالى عظيمة. ولكننا لا نعيش في هذه الأرض بذواتنا الحقيقية وإنما بجسدنا المادي، لأن الأرض لا يمكنها تحمل ذواتنا الحقيقية.
ذلك الاحتفال يقام في السموات. وينزل إلى الأرض في تلك الليلة المباركة، مقدار نقطة واحدة من تلك الأنوار؛ أنوار بحار الملكوت العظيمة المباركة. ذرة واحدة منها تكفي لكسوة الجميع. فيعجز الخلق عن حمل تلك الأنوار، فيخرون ساجدين. نقطة واحدة من تلك الأنوار الجليلة تعجز هذه الدنيا عن حملها. فتذهب تلك الذرة وتختفي في غياهب تلك النقطة. وهذه النقطة قادرة على حمل البلايين من العوالم وابتلاعها جميعاً. فعندما يدخلون في جوفها ينالون تكريماً سماوياً ويكسون فيها بالأنوار .. الله أكبر! يا ربنا .. يا ربنا .. يا ربنا .. إنهم لا يفهمون أبداً .. يا ربنا إنا نسألك ونتضرع إليك أن ترزقنا معرفة حبيبك وخليفتك من الأزل إلى الأبد! وأما تجلي الذات الإلهي جل وعلا، فليس في وسع أحد أن ينظر إليه. ليس لأحد أن يتحمل ذلك. هذا مستحيل.
لن تستطيع أن تنظر إلى الشمس بالعين المجردة. فضوء الشمس مقارنة ما هي إلا كضوء عود الثقاب .. سبحان من دورك، سبحان من صورك، سبحان من نورك، ثم إذا شاء كورك .. فهذه لا شيء مقارنة بما سيكسو بها الله جل وعلا عباده في الأرض وفي السموات، وفي البحار المجهولة في عوالمه الملكوتية.
آهٍ أيها الناس! نحن نضيع حياتنا القصيرة بالأشياء التافهة. ما الذي تجمعونه؟ تعيشون هنا لفترة قصيرة ثم تتركون ما جمعتم وترحلون. جمع قارون مال الدنيا، فما الذي حصل؟ خسف به وبماله الأرض. فهذه الأرض قامت بابتلاع الكثير من الأشياء التافهة والزائفة، وتستمر في ابتلاعها. توبة يا ربي!
أيها الناس! لا تركضوا خلف هذه الدنيا الدنيئة. فالدنيا وما فيها من كنوز، في نظر أهل الله لا تساوي شيئاً. وأهل الله هم الذين عينهم الله جل وعلا ووكلهم بإدارة الأمور التي تتعلق ببني آدم في هذه الأرض.
الناس يقصدون المدارس والجامعات والكليات الأكاديمية، ومن ثم تنتهي المرحلة التعليمية في حياتهم. فالمرحلة التعليمية تبدأ من المدرسة الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية ثم الجامعة أو الكلية أو المعاهد الأكاديمية وتنتهي. ربما ينهون خمس مراحل أو ست مراحل تعليمية وتنتهي. فما الذي تجني من معرفة تبدأ عند المرحلة الأولى ثم تنتهي عند المرحلة السادسة؟ .. يقول الله سبحانه وتعالى (مولانا يقف تعظيماً لله جل وعلا)، أستعيذ بالله، {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، (الزمر:67). (مولانا يجلس). مستحيل، ثم مستحيل معرفة أدنى درجة من درجات عظمة ذات الله سبحانه وتعالى.
فلم تضييع الوقت في أمور الدنيا التافهة؟ مشكلتنا، نحن البشر أننا نظن أننا خلقنا من أجل الدنيا. ونركض خلفها ليلاً ونهاراً. فما الذي جنيناها؟ .. وما الذي تستفيد من تلال الذهب والأحجار الكريمة أيها السكران؟ كلكم تركضون خلف الدنيا. ولكن ما الذي تجنون وراء ركضكم خلفها؟ وكل يوم يمر يقربكم إلى الباب، الذي منه تخرجون من هذا العالم إلى عالم آخر. لا أحد يبقى. فكلكم ستخرجون من ذلك الباب. والملائكة ينادونكم ويقولون، "جهزوا أنفسكم لاستقبال العالم الآخر، لقد اقتربنا من المحطة الأخيرة". في تلك المحطة سيؤخذ بكم من هذه الحياة الدنيا إلى عوالم مجهولة، إلى أراضٍ مجهولة ومناطق غير معروفة .. فما الذي تفعلونه هنا؟ ولم القتال؟ ومن أجل ماذا تقاتلون؟ .. تقاتلون من أجل لقب لا قيمة له، يطلقها بعضكم على بعض؟ .. فلم النزاع ولم القتل ولم التسبب بإتعاس الآخرين؟
أيها الناس، الذين لا عقل لهم! إذا تم تنفيذ الحكم عليكم على حسب شريعة الله، سوف يحكم عليكم بالجنون ويُزجّ بكم في مستشفى المجانين. كل واحد منكم يعيش على حسب أوهامه. تعيشون في الخيال، لأنكم لا تعرفون ماذا سيحصل لكم بعد ساعة، أو بعد يوم، أو بعد أسبوع، أو بعد سنة .. تعيشون في الخيال أو في أحلام اليقظة وتسعون في تحقيق أحلامكم.
أيها الناس، في مشارق الأرض ومغاربها! استخدموا عقولكم، واستخدموا طاقاتكم وإمكانياتكم لشيء يبقى وإلى الأبد، ولا تضيعوا جهدكم لشيء وهمي. أيها الناس أتركوا الأوهام. لا تنازعوا ولا تقاتلوا، ولكن كونوا عباداً لله، ربانيين. وحافظوا على العهود التي قطعتموها أمام خالقكم، رب العالمين. حاولوا قدر المستطاع معرفة ما كلفتم به وعن سبب خلقكم. لقد من الله جل وعلا عليكم بالعقل، فلم لا تستخدمونها؟
إن أرض الله واسعة وكبيرة بما يكفي للجميع، فلماذا كل هذه المشاكل والأزمات؟ حتى الحيوانات تتعلم كيف تتعايش مع بعضها البعض في نفس المنطقة. فلم التصارع ولم التصادم وكلكم من بني آدم. وقد أوتيتم عقلاً وإدراكاً. والعقل هبة من الله جل وعلا، خص بها بني آدم.
أيها الناس ارجعوا إلى أنفسكم، وإلا فإنكم جميعاً ستنتقلون سريعاً من هذه الدنيا وتصبح هذه الأرض خالية من كل حي. ولن تجد فيها بعد ذلك من يقول، "هذا ملكي" و"ذاك ملكي". {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، (النساء:97). إن الله جل وعلا لم يخلق الإنسان ليعيش في مكان ضيق، بل لكل فرد ما يكفي له من مكان في هذه الدنيا.
إن كان لا يكفيكم ما جمعتم من متاع هذه الحياة الدنيا، فأنا أمنحكم إذناً بجمع مياه المجاري، (مولانا يضحك). اذهبوا واجمعوا إن كنتم تريدون هذا! .. ألا تفهمون؟ قولوا ذلك للقذافي وقولوا لمبارك وقولوا للمجنون صالح (رئيس اليمن) وقولوا لبشار وللرئيس الإيراني وللرئيس التركي. سوف أعطيكم مياه المجاري بالمجان، اذهبوا واجمعوا منها ما استطعتم! .. هذه كلمة حق، ولا يمكن لأحد أن يعترض عليها، أينما كانوا شرقاً وغرباً، لا من علماء المسلمين ولا من علماء النصارى ولا من علماء اليهود؛ لا يمكن لأحد الاعتراض! .. ومن يعترض أعطيه ضعفين، (يقولها مولانا كمزحة) .. وإذا اعترض آخر أعطيه ثلاثة أضعاف .. اجمعوا ونظفوا الدنيا منها!
أيها الناس شغلوا عقولكم! .. علينا أن نشغل عقولنا ونفكر في مثل هذه الأشياء. جعلوني أخاطبكم بأبسط الكلمات وبأدنى المستويات. وهم قادرون على جعلي أخاطبكم في كل اللغات وبأرفع المستويات. ولكن على ما يظهر، هذا ليس ضرورياً. فما الحاجة إلى التحدث بكلام رفيع المستوى إلى أناس همهم جمع القمامة ومياه المجاري، سواء كان ذلك بالعربية أو بالإنكليزية أو بالتركية؟
لماذا تركب سيارة رولس رويس وعندك حمار؟ .. تستطيع أن تركب الحمار ويأخذك إلى حيث تريد، من دون حاجة إلى رخصة قيادة .. والحمار سعيد، يأكل أينما شاء، ويتغوط أينما شاء، ولا يهمه من هو صاحب هذا الحقل ولا ذاك الحقل، بل يرى لنفسه حقاً في كل حقل .. ولو ركبه ملك، فسوف يرى نفسه أحسن منه .. ولا يطلق لراكب الحمار أي لقب .. وهو سعيد غاية السعادة، ويأكل أينما شاء، ولا مسؤولية عليه.
والآن كل الناس يريدون أن يصبحوا مثل الحيوانات، لا مسؤولية عليهم. أصبح كل من في الأرض يريد أن يكون خالياً من المسؤولية .. أنت يا من يمشي على ساقين، تريد أن تصبح مثل الذي يمشي على أربع؟ ما ينقصكم إلا أن تركبوا ذيلاً كي تصبحوا خالين من المسؤولية، مثل إخوتكم في حديقة الحيوانات .. توبة يا ربي .. يا ربي ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، يا ربي يا الله تب علينا وابعث لنا من يوجهنا إلى غايتنا، حتى ترضى عنا يا ربنا. وسعادتنا منوطة في رضا الله علينا.
إذا لم تسعوا لإرضاء ربكم فلن تذوقوا طعم السعادة. فالأكل والشرب والرقص، وكل ما تشتهيه النفس لن تمنحكم السعادة. لأن السعادة منحة من ربنا جل وعلا، ولا أحد غيره يمنحكم إياها. عليكم أن تفهموا هذا! يسعى جميع الناس في الشرق وفي الغرب وفي الشمال وفي الجنوب، بكل وسائل الترفيه التي بحوزتهم، للترفيه عن أنفسهم وللحصول على المتعة والسعادة. ومع ذلك، فهم غير سعداء. توبة يا ربي!
أيها الناس، اسعوا لإرضاء ربكم! فإن رضي عنكم أنعم عليكم بحياة طيبة ملؤها الراحة والسعادة، وإلا ستعيشون حياة فاسدة، مسمومة. والناس يستخدمون العقاقير المهدئة، لأنهم باتوا لا يستطيعون التعامل مع مشاكل حياتهم القذرة.
إنها بحار .. يمكنهم أن يستمروا معنا بهذا الكلام إلى الأسبوع القادم أو السنة القادمة، أو حتى نهاية العالم. ولكن عليكم أن تفهموا ما نقول! يمكنكم أن تؤلفوا من هذه الكلمات مئات أو آلاف الكتب .. أنا لا أعرف شيئاً. غفر الله لي ولكم. اللهم ارزقنا فهماً صحيحاً وارزقنا سعادة الدارين، بجاه خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقف تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يجلس). الفاتحة.
مولانا الشيخ هشام: ما شاء الله، تقريباً ساعة؛ 50 دقيقة سيدي.
مولانا الشيخ ناظم يرد عليه بالتركية ثم يقول: هل يمكن أن تنعت الرجل الذي يدخل بيت الخلاء في اليوم أربعين مرة بالسعيد؟ أو تصفه بالطاهر النقي؟ شغلوا عقولكم، أيها الناس!
الفاتحة.