بسم الله الرحمن الرحيم
طلبنا وجدنا
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
24 أغسطس 2011 ـ 25 رمضان 1432
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن عاقبتنا، وأن يهدي أولادنا ويدفع عنا البلاء، ويعيذنا من الشيطان الرجيم ومن شر الولاة ومن شرور أنفسنا. اللهم يا رب السموات والأرضين نسألك أن تحفظنا من كل سوء. الفاتحة.
(مولانا الشيخ عبد السلام يدخل).
مولانا الشيخ ناظم: "دعه يجلس بجواري، حتى يرى الناس أن شيخ الإسلام حضر مجلسنا، فهو شيخ الشركس. وأما شيخ الأناضول وشيخ إخواننا في منطقة البحر الأسود، فهذا هو .. ما شاء الله! صاحب هيبة".
بابا تحسين: "نحن نفتخر أن نكون خداماً على أعتابكم، وهذا جل ما نريد، ولا نريد شيئاً آخر".
مولانا الشيخ ناظم: "نرجو من الله سبحانه وتعالى أن لا يطردنا من ديوان عبيده! .. الله الله.. سبحان الله! .. سلطان الله! .. أيها المؤمنون! أيها الناس! قوموا لله عز وجل وكبروه! (مولانا والحاضرون يقفون)، فكل ما في الكون قائم لتعظيمه جل وعلا، ولا شيء يبقى ممداً على وجه الأرض. أنظروا إلى الأشجار، فهي قائمة في تسبيح الله جل وعلا! الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. هذه هي تكبيرة العيد. فإن قمتم بالتكبير كل يوم، فسيصبح أيامكم كلها عيد. {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى ماَ هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، (البقرة:185). {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}، (البقرة:203). فما أجمله من ذكر وما أشرفه!
يا أهل منطقة البحر الأسود! يا مسلمي الأناضول! أيها الرومان المؤمنون! أيتها الشعوب القفقاسية العريقة، اسمعوا وعوا! فنحن اليوم هنا في هذه الدنيا وغداً سنغادر. فاعملوا على أن تقفوا يوم القيامة في حضرة الله عز وجل بوجوه مستنيرة. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا ناَظِرَةٌ}، (القيامة:22،23). ونصلي ونسلم على نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم، صلاة وسلاماً لا منتهى لها أبداً. ونصلي ونسلم على جميع أنبيائه وأوليائه وعلى عباده الصالحين. ونسلم أيضاً على القطب المتصرف وعلى صاحب الزمان، ونطلب منهم المدد، فما نحن إلا عباد ضعفاء .. ضعفاء .. وما نحن إلا صفر على شمال الواحد، ولكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد، جعلنا على يمينه. وحينها نصبح قادرين على أن نقلب هذا العالم رأساً على عقب. ونقول، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، كي لا يفسد علينا الشيطان مجلسنا هذا. فالشيطان نجس، نسأل الله أن يعيذنا منه ومن نجاسته. وحاشا أن نطلب مثل هذا الأمر مباشرة من حضرة الله عز وجل، إذا كان أضعف وأصغر عباده يمكنهم فعل ذلك بالإرادة الإلهية.
أيها المؤمنون، قوموا وكبروا الله سبحانه وتعالى، تعظيماً له ولأمره، تسعدوا وتنالوا حياة طيبة! وقولوا بسم الله الرحمن الرحيم. نبدأ يومنا بالبسملة وننهيه بالبسملة. ونبدأ حياتنا بالبسملة وننهيها بها، إن شاء الله! .. ما شاء الله! .. أمان يا ربي، (مولانا والحاضرون يجلسون). اللهم قو ضعفي في رضاك! .. أمان يا ربي .. أمان يا ربي .. أمان يا ربي .. نحن عبيدك الضعفاء يا ربنا، فماذا عسانا أن نفعل؟ فها نحن في شهر رمضان الشريف، نتشرف بشرفه. وهذه مناسبة جيدة أن نقتطع جزءاً من وقتنا لنقوم بعبادة الله جل وعلا. فحياتنا تنتهي ونحن نركض خلف الدنيا ونعمل من أجلها. ومن المؤسف أن ترى القليل فقط، من يذهبون إلى المساجد، ليصلوا فيها، ويجدوا فيها السلامة والطمأنينة والرضا وراحة البال.
أيها المسلمون، ابحثوا عن المجالس الروحانية! فهذا أمر مهم، يا أهل منطقة البحر الأسود! واحذروا، ولا تنظروا إلي، بل انظروا إلى من أجلسني لأخاطبكم!"
ثم قال بروح الفكاهة المعهودة منه: ".. أين كنا؟ .. بينما أنظر إلى هذا الأبله نسيت أين كنا في الكلام .. توبة، أستغفر الله!!
بابا تحسين: "قلت أنه يجب أن نبحث عن المجالس الروحانية"
مولانا الشيخ ناظم: "نعم، نعم .. إذاً كنت تنصت إلى كلامي! .. هذا هو المهم. أهم شيء في حياة الإنسان، هو مدى تعلقه بالمجالس الإيمانية أو الروحانية. فالمجلس الذي يخلو من الروحانيات والذي لا يذكر فيه اسم الله هو مجلس نجس. (مولانا والحاضرون يقفون تعظيماً لله عز وجل)، أمان يا ربي! وقفنا تعظيماً لجنابك يا الله! (يجلسون) .. فالمجلس الذي لا يذكر فيه اسم الله نجس، غير طاهر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة". رواه أحمد وأبو داود.
يا إخواننا من منطقة البحر الأسود! بما أنكم تدعون بأنكم أعظم الناس إيماناً في هذا البلد، أوجه كلامي إليكم وأخاطبكم، والقصد أن يستمع الآخرون ويأخذوا العبر. بعض الأحيان ألسعكم بكلامي، ولكنني في الواقع لا أقصدكم أنتم، بل أوصل كلامي إلى من يأخذ العبرة منه عن طريقكم. فنحن نحاول تطهير الناس. تلك هي النقطة المهمة. فمن يأت طاهراً إلى حضرة الله سبحانه وتعالى فقد فاز. ومن يأت وهو متنجس فذلك هو الخسران المبين.
والناس عليهم أن يحثوا أنفسهم بالتوجه إلى المجالس الطاهرة، وأن يتركوا الجلوس في المقاهي والملاهي. لا تقولوا، بأنه لم يبق في بلدنا مجلس طاهر يستحق أن تحضره. بل كما في المأثور، "من جد وجد" أو بعبارة أخرى، "طلبنا وجدنا". أي من يبحث عنا ويريدنا يجدنا. أطلب أنت فقط، وستجد ما تطلبه. وإن لم تبحث ولم تطلب فستبقى على حالك.
يقولون لي، "يا شيخ أفندي!" .. لسنا بشيخ، ولا نصلح أن نكون شيخاً للحمير، فاتركوا تلك الادعاءات، فهي ليست لنا. أيها المؤمنون! لا تقولوا: "أنا الشيخ الفلاني أو العالم الفلاني أو الدكتور الفلاني، ولا تتفاخروا بالشهادات! .. لا تقولوا أنا كذا وكذا! ولكن قولوا، "أنا عبد الله!" ماذا كان يقول نبينا المعظم ومفخرة العالم والكون كله، عليه صلاة الله وسلامه، والذي لشرفه خلق الخلق كله، كان يقول، "آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد". (رواه أبو يعلى). فأين أنتم من هذا يا علماء الأمة؟ لماذا لا تقومون بتبليغ هذا الحديث للناس؟ فمن جهل دينه جهل نفسه. ومن جهل نفسه فلا قيمة له.
لماذا أرسل الله جل وعلا نبيه عليه الصلاة والسلام؟ ليرشد الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى .. "علم الناس كيفية القيام بعبادتي!" .. أليس الأمر كذلك يا أهل منطقة البحر الأسود؟
بابا تحسين: "نعم، الأمر كذلك".
مولانا الشيخ ناظم: "لماذا أرسل 124 ألف نبي، وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين، عليه وعليهم الصلاة والسلام؟ .. لماذا لا يسألون، لأي شيء بعثوا؟ في عصرنا هذا، الكل يتشدق في الكلام ويتحدث يمنة ويسرة. ولكن لا أحد يعرف ما هو بيت القصيد. ولا يتمكنون من إيجاد مكان الدمل لاستئصاله وإزالته. فالدمل يجب أن يستأصل بالمشرط، لكي يبرأ .. الكل يتحدث كما يحلو له. تكلم ولكن ليكن لك مقصد في الكلام. لماذا أجلسوني على هذا الكرسي؟ .. لماذا أجلس هنا؟ ولماذا أخاطب هؤلاء الناس؟ .. كان في الماضي يجلس قصاص في المقهى ويلتف الناس من حوله ليستمعوا إلى القصص التي يرويها. واليوم لم يعد لهم أثر. ولم يعد هناك من يجلس أمام عامة الناس ليحدثهم .. واليوم سوف أحدثكم عن عظمة ومجد آبائنا العثمانيين.
كانت مدينة إسطنبول الكبيرة تسمى في الماضي "إسلام بول". وقد افتتحه السلطان محمد الثاني، أو كما يلقب بـ"محمد الفاتح". وهو الذي أطلق عليه اسم "إسلام بول"، أي بلاد المسلمين أو البلد المليء بالمسلمين. ومن ثم حرف إلى إسطنبول. وكان إسلامبول مقر أجدادنا؛ السلاطين العثمانيين. الذين أظهروا أعظم التقدير والاحترام للإسلام. وإسلامبول هي المدينة التي أظهرت عظمة ومجد هذه الأمة للعالم أجمع. وجعلت الناس ترتجف عند سماع اسمها. فلماذا لا تعلمون هذا في مدارسنا؟ .. (مولانا يغير صوته ويقول)، "إيه، لا يمكننا وضع مثل هذا في منهجنا التعليمي" .. لماذا؟ .. "لأننا شعب متحضر من أهل منطقة البحر الأسود" .. إن كان لأهل منطقة البحر الأسود منهج تعليمي متحضر، فعليهم أن ينحنوا، وإذا انحنوا فلن يتمكنوا من الوقوف ثانية"، (مزحة من مولانا، إذ أن كلمة "تعليم" في اللغة التركية يشبه جرسها جرس كلمة "انحناء") .. لم يعودوا يستعملون كلمة"دراسة" بحجة أنها كلمة قديمة وهي كلمة عربية دخلت إلى اللغة التركية، فاخترعوا كلمة أخرى للتعبير عن التعليم. وما تلك الإجراءات إلا لاستئصال الهوية الإسلامية من جذورها في الدولة الحديثة. وهذا ما حدث بالفعل على مر مائة عام.
يا أهل منطقة البحر الأسود، انتبهوا جيداً! فما كان كل هذه الإجراءات والتدابير التي جرت في تركيا، إلا لاقتلاع الإسلام من جذوره، وإنشاء دولة عصرية بمعنى الكلمة. تلك كانت غايتهم. فماذا أنجزوا؟ النقطة التي وصلوا إليها واضحة جلية، وهي انتشار النزاعات المستمرة بين بعضهم البعض. أرادوا أن يقوموا بالإصلاحات. وباسم الإصلاحات أزيح المنهج الإسلامي، باعتباره انتهت صلاحيته، ووضعوا مكانه منهج الكفر. فقالوا: "محونا الإسلام وأحضرنا الكفر ليحل محله، تحت مسمى الإصلاحات". وضعوا الكفر والإلحاد تحت مسمى الإصلاحات. لماذا؟ .. "لأن دين الإسلام يضع الكثير من الحدود والقيود على حرية الناس. ولا نريد أن نعيش كما كانوا يعيشون في السابق، وفق قيود الشريعة الإسلامية. واليوم نحن أناس أحرار" .. لا تقولوا نحن ’أناس أحرار‘، بل قولوا، نحن ’حيوانات أحرار‘! فحرية الإنسان يجب أن تكون في إطار محدد، فإنه إن تجاوز ذلك الإطار دخل في جملة الحيوانات.
لقد حملنا راية الإسلام لألف سنة على أكتافنا. وكان رأس الراية متوجاً بالقرآن الكريم. واليوم أنزلوا القرآن الكريم من على الراية. وبإنزاله زالت عنهم بركته. وببركة هذا القرآن الكريم لم يخترق أحد من الأعداء "تشانا قلعة"، لا اليونان ولا الإنكليز ولا الأمريكان. ببركته استطعنا دفع الأعداء عن هذه الأمة. فما الذي فعلنا بعد ذلك؟ قلنا بأن القرآن الكريم ليس له محل في دولتنا الجديدة، ولا يناسب سياستنا، فأنزلناه من على رايتنا.
أيها الشباب! يا أهل منطقة البحر الأسود! يا شباب منطقة البحر الأسود! هل تعرفون هذه الأمور؟ كيف يمكنكم معرفة مثل هذه الحقائق، وأمواج البحر تتقاذفكم من كل جانب. وأنتم لا تعرفون شيئاً عن حالكم! من أمثالنا الشعبية: "اعرف نفسك قبل أن تتلقى ضربة على عاتقك!" أنتم لا تدرسون شيئاً عن أنفسكم. تعلموا أقل ما يكون عن تاريخنا في هذه المائة سنة، لتدركوا أننا لم نفعل شيئاً سوى الخسارة. في غضون هذه المائة سنة خسرنا هويتنا الحقيقية. فأي منفعة حصلنا عليه؟ بلدكم الذي كان مثل الجنة تحولت إلى جحيم. يقولون بأن من يقف في الخارج وينظر، يرى الأمور بوضوح أكثر ..
يا أهل منطقة البحر الأسود! إنني أتحدث إليكم ولكن آمل أن يصل هذا الكلام إلى أسماع جميع الناس. لقد كنا متحدين تحت راية الإسلام. رفضنا تلك الراية، التي كان على رأسها القرآن الكريم. تلك الراية لم تسقط أبداً على الأرض، حتى هنا في قبرص.
عندما فتح السلطان سليم قبرص، جعل الله مثواه الجنة. أول من تسلق أسوار مدينة نيقوسيا كان حامل الراية. تسلق وهو يحمل الراية بيده وعلى رأسها القرآن الكريم ورفعها فوق أسوارها. فرموه بالرماح وسقط شهيداً. ثم جاء آخر وأخذ الراية بيده واستشهد هو الآخر. ثم جاء الثالث ورفع الراية واستشهد. ثم أخذها الرابع واستشهد داخل أسوار نيقوسيا. ثم أخذها الخامس ودخل بها مسجد ’آيا صوفيا‘ (الذي كان كنيسة ثم حول إلى مسجد). وفي داخل آيا صوفيا وصل الدم المراق في المعركة إلى الركب. وانتصر المسلمون وتغلبوا عليهم بالقتال وبالتكبير، "الله أكبر، الله أكبر!" والحاكم الذي أقام أول صلاة وخطبة في مسجد ’آيا صوفيا‘، اعتلى المنبر وهو متقلد بسيفه.
هناك أربعة مساجد في قبرص، صعد الحكام المسلمون على المنابر وهم متقلدون بسيوفهم، وهذه المساجد الأربعة في نيقوسيا. الأول مسجد ’آيا صوفيا‘. لم يعجبهم اسمه وغيروه فيما بعد. وكأن الرجال الذين افتتحوه لم يكونوا أذكياء كفاية ليغيروا اسمه! هم تركوه كما هو، ليرى العالم أن الإسلام غالب على الكفر. لقد رفعوا رايتهم فوق الأسوار، وألقى الحاكم أول خطبة له، وهو متكئ على سيفه. وهو الباشا الذي احتل نيقوسيا وأصبح حاكماً لها.
هناك مسجد آخر خلفه، وهو مسجد ’حيدر باشا‘. عندما انسحب الأعداء وتحصنوا داخل ذلك المسجد لاحقهم جنود الإسلام، الذين هم أجدادنا العثمانيون وفتحوه كذلك، وصعد على منبره القائد متقلداً بسيفه أيضاً. والمسجد الثالث هو ’مسجد عمر‘ في نيقوسيا، الذي كان كنيسة. وقد استولى عليه المسلمون عنوة. وفي فنائه دفن حامل الراية الذي استشهد في المعركة. استولوا عليه وحولوه إلى مسجد وأقاموا فيه الأذان المحمدي. وصعد القائد على المنبر ومعه سيفه. وهناك مسجد صغير يسمى ’مسجد العرب‘، كان أيضاً كنيسة صغيرة حولت إلى مسجد. استولوا عليه عنوة أيضاً وصعد القائد إلى منبره وهو متوكئ بسيفه. تلك هي أربعة مساجد يجب على من يأتي إلى هنا أن يعرفها. حتى القبارصة لا يعرفونها فكيف بغيرهم؟ لا يكترث أحد بمعرفة تاريخ قبرص. لا أحد يعرف كيف تم فتحه من قبل المسلمين. و’آيا صوفيا‘، تلك الكنيسة التي حولت إلى مسجد، أبقوا عليه اسمه كما هو، حتى يراه الكفار وراية العثمانيين ترفرف فوقه والقرآن الكريم يتوج رأسها. وقد رفعت تلك الراية في كل مكان وصل إليه الفاتحون العثمانيون.
لماذا نحدثكم بكل هذا يا أهل منطقة البحر الأسود، ويا مسلمي الأناضول والمسلمون في العالم؟ ليعلم الناس أن مسؤولية هؤلاء الذين أنزلوا القرآن الكريم من على رأس الراية ثقيلة وأن عاقبة أمرهم وخيمة. فهؤلاء لم يجنوا خيراً مما فعلوا ولن يجنوا. فالأمة التي أزالت كلمات الله وأنزلت القرآن من على رأس رايتها لن يجد الخير أبداً. فبعد أن قاموا بذلك ذهبت شوكتهم وقلت عزيمتهم وذابوا يوماً بعد يوم، كما يذوب الثلج، وأصبحوا لا قيمة لهم أبداً. لم يبق لديهم عز ولا شرف ولا أي شيء.
يا أهل منطقة البحر الأسود! اسألوا أعضاء البرلمان الذين انتخبتموهم، "لماذا أنزلوا القرآن من على رأس رايتنا؟ معظمهم لا يتذكر ذلك، ولذا أُذكّر مفتي اسطنبول ورجال الفتوى ورجال قسم الشؤون الدينية، أن يوجهوا هذا السؤال إلى البرلمان، "لماذا أنزلوا القرآن الكريم الذي توج رايتنا على طول الطريق إلى معركة ’ساكاريا- دوملوبينار‘؟ (وهي حرب الاستقلال التركية، أو الحرب التي دارت بين الثوريين الأتراك واليونان عام 1922 والتي قادت في وقت لاحق إلى إنشاء جمهورية تركيا).
والآن نحن في شهر آب/أغسطس، ولم يبق إلا القليل ليوم النصر 30 أغسطس. فهل يا ترى سيتوجون العلم التركي بالقرآن الكريم؟ .. لأي سبب أنزلوه؟ لماذا، أيها الأتراك لا تسألون هذا السؤال إلى المسؤولين في بلادكم؟ أم أنكم تخافون! أتخافون من الناس ولا تخافون الله؟ اسألوا أعضاء البرلمان هذا السؤال، واسألوا أيضاً السيد ’أردوغان‘! ما سبب إنزال القرآن الكريم من على علمنا الوطني؟ أكان إهانة لنا أم شرفاً لنا؟ اسألوا! فإن أحداً لم يسأل هذا السؤال من قبل. إذا لم يضعوا القرآن الكريم على رأس العلم الوطني، فلن يجدوا أي خير، وسوف يهلكون، ولو استنجدوا بسبعين دولة لما استطاعوا نجدتهم! جميعهم سيهلكون .. إنهم يعتبرون الإسلام على أنه لعبة في أيديهم.
فكروا يا أهل منطقة البحر الأسود! ما هو الإسلام؟ أنظروا إلى مجد وعظمة الإسلام! إنه مستمر منذ خمسة عشر قرناً. منذ خرج يتيم من صحراء العرب وهو ينادي بـ"لا إله إلا الله، وأنا محمد رسول الله"، (مولانا يقف وكذلك ضيوفه الأعزاء). استمعوا إلى هذا ووحدوا ربكم! وإن لم تفعلوا ذلك، سوف أدمركم وأحولكم إلى رماد! (مولانا يجلس).
وهذا أيضاً ما يحتاجه العرب. فهم أيضاً لا يضعون فوق راياتهم وأعلامهم الوطنية القرآن الكريم. بل يضعون شيئاً من الخطوط والزخرفة التي لا قيمة لها. فقيمة العلم أو الراية ليست بالزخارف الدنيوية التي توضع عليه، بل بالقرآن الكريم الذي يتوج أعلاه.
أيها الناس! هل سمعتم مثل هذا؟ وهل يحدثونكم بمثل هذه الأمور؟ هم بأنفسهم لا يعرفون، فكيف يحدثونكم بها، يا أهل منطقة البحر الأسود! أعيروا سمعكم جيداً وافتحوا أعينكم كذلك! لا تذهبوا إلى المقاهي ولا تدخلوا الأماكن القذرة. ومن يدخل فيها فإنه يتلطخ بالقذارة ويصبح قذراً. فما هي الأماكن القذرة؟ هي تلك الأماكن التي تنتهك فيها حرمات الله. ومن يدخل فيها يتلطخ بالقذارة.
أيها العرب! .. أيها العرب! تنادون في كل مكان، "إصلاحات .. إصلاحات .. سنقوم بتشكيل برلمان .." ضرب الله رؤوسكم ببرلمانكم! سيدنا عمر رضي الله عنه حكم الشرق والغرب، وهو في المسجد؛ المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، على ساكنها أفضل السلام وأتم التسليم .. يا الله! شريعتك فوق كل شيء، ولا يحافظ عليها إلا عبادك!
يا أهل منطقة البحر الأسود! يا من تدعون أنفسكم أحسن الناس إسلاماً، أين أنتم؟ أخبروني هل كلامنا هذا كذب؟ لعنة الله على الكاذبين، {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكاَذِبِين}، (آل عمران:61). ألا إن لعنة الله على الكاذبين! ألا إن لعنة الله على أولئك الذين يخدعون الأمة! ألا لعنة الله على أولئك الذين يضلون الأمة! أنظروا إلى الحالة التي وصلنا إليها. سبحان الله العلي العظيم! هذه القضايا غير معروفة، ولا يدرسون في المعاهد التعليمية. هؤلاء هم السبب لتمكن أعداء الإسلام منا. بسببهم دخلنا إلى ما لا نهاية له من المشاكل والمصائب لمدة قرن من الزمن، منذ عام 1900. والكفار حاولوا إبعادنا عن الإسلام بشتى الطرق والوسائل. قلبوا العالم الإسلامي رأساً على عقب ومزقوه إلى أجزاء متفرقة، وأدخلونا إلى متاهة يصعب الخروج منها. والآن، ندموا على ما فعلوه. ندموا مئات المرات على تدميرهم الدولة العثمانية. وما أدراك ما العثمانيون!
(يشير إلى مولانا الشيخ عبد السلام ثم يقول)، هذا الرجل لن يقول، "أنا شركسي أو أنا تركي .. أو هذا أو ذاك"، بل سيقول، "نحن عثمانيون ونعتز بكوننا كذلك". العالم كله يرتعب من العثمانيين. والآن تركيا، التي وصل عدد سكانها إلى 80 مليون نسمة، لا تتمكن من إيقاف العدوان الوحشي القائم في الشام، والذي كان في الماضي جزءاً من بلادهم، الإمبراطورية العثمانية سابقاً. فما فائدة المسدس إن لم يكن في داخله رصاص؟ .. "قل ما شئت، فموقفك لن يغير شيئاً من سياستنا. إن كنتم توجهون إلينا رسائل حازمة، فستسمعون منا رداً أكثر حزماً!" هكذا ردت سوريا على تصريحات رئيس الجمهورية التركية حول سياسة الحكومة السورية ضد المتظاهرين. فهل كان يجرؤ أحد على توجيه مثل هذا الكلام على سلاطين الإمبراطورية العثمانية؟ عار على هؤلاء الذين أضلوا الأمة وخذلوها. نرجو من الله أن يحاسبهم! فإنهم سيندمون في الدنيا والآخرة. أمان يا ربي، توبة يا ربي، توبة أستغفر الله!
ماذا عسانا أن نقول؟ أمامنا بحر آخر، ولكن يكفي هذا، سنتوقف هنا. قلنا ما كلفونا بقوله. فهم من فهم، ومن لم يرد أن يفهم، سيقع على رأسه شيء! .. أستغفر الله، تبت ورجعت إلى الله .. تبت ورجعت إلى الله .. توبة يا ربي، توبة يا ربي، توبة أستغفر الله! ابعث لنا عبداً من عبادك يا رب، يقودنا إلى طريق الحق، ويبصرنا بأنفسنا! ..
أضعنا هويتنا، فوضعوا أمامنا هويات كثيرة لنختار منها ما نشاء ونستبدل بها هويتنا التي أضعناها. فنظرنا، وإذا أمامنا هوية الحمير والبغال والثعابين والدببة والثعالب والذئاب وقالوا لنا، "أنظروا واختاروا ما شئتم من هذه الهويات، لنسجل أسماءكم وفقاً على ذلك .. (ويكمل مولانا بروح الفكاهة المعهودة منه ويقول)، لا أدري ماذا وضعوا لأهل منطقة البحر الأسود .. "يا شيخ أفندي، أهل منطقة البحر الأسود يحبون أكثر شيء السمك، فيمكن وضع البط أو السمك لهم، وهذا يسعدهم".
أهل منطقة البحر الأسود كانوا معروفين سابقاً بالشوارب القوية البارزة. أما اليوم فلم يعد للشوارب وجود عندهم. أقول لهؤلاء الذين يحلقون لحاهم وشواربهم، إن شاء الله، لن ينمو لهم شوارب ولا لحىً بعد الآن ويصبح وجوههم مثل وجوه النساء العجائز .. النساء على الأقل، يمكنهن تدبير أمورهن ويسترن تجاعيد وجوههن بمساحيق التجميل، ولكن ماذا سيفعل الرجال؟ .. كيف سيسترون تجاعيد وجوههم بدون لحىً ولا شوارب؟ سيصابون بالجنون. أدعو الله على كل من يحلق شواربه ولحيته أن يصيبه بنوع من المرض يمنع نمو شواربهم ولحاهم! آمين .. أدعوك يا رب ببركة هذه الأيام الفضيلة، أن تصيب هؤلاء الذين يحلقون شواربهم ولحاهم بمرض يمنع نمو شواربهم ولحاهم على وجوههم مرة أخرى. لأن هؤلاء يحلقون مرة أو مرتين في اليوم. فإنهم إذا دعوتهم إلى الصلاة، يقولون، "لا يوجد عندنا وقت، يا شيخ أفندي!" .. ههه! ماذا عن الوقت الذي تقضونه في الحلاقة؟ "عندنا وقت للحلاقة". عندكم وقت للحلاقة وليس عندكم وقت للصلاة! أصابكم الله بمرض تستغنون به عن حلق شواربكم ولحاكم، حيث لن ينمو على وجوهكم شوارب ولا لحى بعد الآن! وسيصبح وجوهكم مثل وجه امرأة عجوز. وسيشمئز النساء من منظركم ويفرون منكم .. "يا شيخ أفندي، لا تدع علينا هكذا!" سأدعو ومن يمنعني؟ .. أنظروا إلى هيبة هذا الرجل (ويشير إلى بابا تحسين). أنظروا إلى هذا الرجل من منطقة البحر الأسود؛ إلى بابا تحسين! إنه مثل الأسد. عنده هيبة الأسد. هل هذا أفضل أم مظهر وجه رجل منتوف الشعر مثل مؤخرة الدجاجة؟
(ينظر إلى مولانا الشيخ عبد السلام ثم يقول)، مرحباً بك! الموضة الجديدة يجب أن يكون على طراز هذا الذي يجلس بقربي، (يقصد مولانا الشيخ عبد السلام) .. ومن الله التوفيق! .. هذا يكفي .. إذا تكلمنا أكثر سيتشتت تفكيرهم. تحدثنا بلغة بسيطة، لأنه لا يجلس أمامنا عالم. وإن كان هناك عالم، فعندنا اللغة التي يناسب مستواه لمخاطبته. لكل طبقة من طبقات الناس أسلوب مختلف لمخاطبتهم. يجعلونني أخاطب كلاً على حسب مستواه من المعرفة. لأن الله سبحانه وتعالى يحفظ عزة دينه. يعز ويكرم من حافظ على دينه، ويمنحه قوة وهيبة ونوراً وجمالاً في وجهه. ويخذل من خذله، ويجعل وجهه عبوساً مظلماً. فإياكم أن تعيّنوا أصحاب الوجوه العابسة ولاة على رؤوسكم، وإلا ستعاقبون!
يا أبنائي، يا أهل منطقة البحر الأسود، هذا بحر ليس له قعر ولا نهاية. اقترب الوقت لأذان المغرب، وبدأنا نشعر بالجوع .. أستغفر الله! هذا يكفي .. غفر الله لنا!
(مولانا والحاضرون يقفون)، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. يا رب ابعث لنا عبداً من عبادك يذكرنا ويرشدنا إلى طريق الصلاح وإلى العبادة الحقة! بشرف الحبيب صلى الله عليه وسلم وببركة هذا الشهر الفضيل، أدخلنا في حرزك وحفظك وكنفك ورعايتك، يا ربنا! الفاتحة. (مولانا والحاضرون يصلون صلاة الشكر) .. توبة يا ربي، توبة يا ربي! .. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا الأمارة بالسوء، وابعث لنا صاحب الزمان، يحمينا من أولئك الذين هم عبيد لأنفسهم، والذين قادوا الناس إلى الجهل، امحهم وامح ذكرهم! الفاتحة.
نسأل الله الصحة والعافية .. كيف كانت الصحبة يا بابا تحسين؟
بابا تحسين: "كانت رائعة. كل يوم ننهل من ينبوع مختلف".
مولانا الشيخ ناظم: "هذا ما كلفت بتبليغه. هل فيما قلته خطأ؟"
بابا تحسين: "أستغفر الله!"
مولانا الشيخ ناظم: "إنه بحر، وما هي بلعبة .. غفر الله لنا!"