بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدانية لله الواحد الأحد
سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره
21 أغسطس 2011 - 22 رمضان 1432
رسالة إلى تيشلي؛ عمال المنجم الـ 33 الذين تم إنقاذهم العام الماضي، ببركة مولانا، اجتمعوا في رمضان وطلبوا من مولانا أن يبعث إليهم برسالة. وقام مولانا بإلقاء محاضرة مهمة وطلب أن ننشرها في الموقع.
(مولانا والحاضرون يصلون ركعتين). مدد يا رجال الله، مدد! أيها الناس قفوا وكبروا الله عز وجل! الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. هو خالقنا. فقدموا لله سبحانه وتعالى، خالق الوجود؛ الفضاء وما وراء ذلك، أعظم وأجل التسبيحات. هو ربنا، وهذا ما نؤمن به. ونقدم أفضل صلواتنا لأشرف عباده، القائم على الدوام في حضرته عز وجل مع جميع الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ألف ألف صلاة وسلام على سيد الأولين والآخرين. (مولانا والحاضرون يجلسون).
إننا، يا إخواني وأخواتي من تيشلي، وكل من في هذا العالم، نشهد أن لا إله إلا الله. ونؤمن بأنه خالق كل شيء في الأرض وفي السماء، من الأزل إلى الأبد. ولا أظن أن أي نبي قد يعترض على هذا القول وعلى ما نؤمن به. ونحن نحاول تقديم أعلى درجات التعظيم والتقدير لله الواحد الأحد. للإله الذي خلق كل شيء في الوجود. ولا أحد يعرف له، سبحانه وتعالى بداية. لأنه موجود من الأزل إلى الأبد. ويستحيل وجود إله آخر غيره، سبحانه وتعالى. ولكن المعتقدات الخاطئة رسخت في عقول الناس وأفسدت تصوراتهم وانحرفوا عن الاتجاه الصحيح. وأما نحن فنؤمن أن لهذا الكون خالق واحد فقط ولا ثاني له، ويستحيل أن يكون غير ذلك.
في الأسرة، هناك فرد واحد من أفرادها تقع على عاتقه المسؤولية الكبرى. ووضع في يد ذلك الشخص السلطة وشرّف بالقوامة؛ وهو رأس العائلة. لقد أعطي كل واحد شرفاً، ولكن ذلك الشخص هو أكثرهم تشريفاً من بين أفراد الأسرة. وهو الذي يحمل على عاتقه مسؤولية الأسرة والبيت، وهو أيضاً مسؤول عن شرفه. والتشريف على قدر المسؤولية. ولا يمكن أن يكون في البيت شخصان مسؤولان على نفس المستوى.
ولكن الشيطان، شغله الشاغل تغيير مفاهيم الناس وتعبئة عقولهم بالأفكار الخاطئة، التي تؤدي لاحقاً إلى المشاكل والأزمات. فاستحسن أبناء هذا العصر فكرة أن يكون في البيت شخصان على نفس المستوى من الشرف. وهذا لا يمكن، لأن معنى ذلك أنهما واحد. وإذا كان لدينا شخص نال المرتبة الأولى من مراتب التشريف، فلماذا نسعى على أن نضع شخصاً آخر على نفس المرتبة؟ وإذا كان ملك واحد يكفي المملكة فليس من المنطق أن نطلب ملكاً آخر؟ .. إلا أن الشيطان يصر قائلاً: "يجب أن يكون هناك ملك آخر!"
في البداية، يرفض الناس مثل هذه الفكرة، "ملك ثان؟ لا يمكن!" ولكن الشيطان يحاول ثانية، ليلوث عقولهم بأفكاره المضللة، ويقلب كل شيء رأساً على عقب، فيقول: "عليكم أن تجمعوا الناس وتعطوا كل واحد الفرصة ليكون ملكاً". أي تقيم برلماناً .. فكل واحد من أعضاء البرلمان يظن نفسه ملكاً، ويمشي في خيلاء ويعتلي المنصة ويخاطب الناس، ولسان حاله يقول، "أنا أيضاً ملك هنا". وإذا كان هناك مثلاً، 500 عضو في البرلمان، فكل عضو من أعضائه إنما سعى لهذا المنصب، ليشبع رغبته الدفينة في أن يصبح ملكاً. ولذلك هم يعترضون على ملك واحد.
ويردف الشيطان قائلاً: "لماذا ترضون بملك واحد ما دام في الإمكان أن يكون هناك ملكان؟" والناس يستحسنون تلك الفكرة، إلا أنه لم يحصل مثل هذا من قبل. لذا، "علينا أن نغير سياستنا ونؤسس برلماناً، يتيح الفرصة لكل عضو فيه أن يشعر بأنه ملك" .. ومن تلك الفكرة نتج ما لا نهاية له من المشاكل والنزاعات والأزمات.
وهذا دأب الشيطان لعنة الله عليه؛ تضليل الناس وزرع الأفكار الخاطئة في عقولهم، وفتح المجال لكل من يرغب لنفسه الشرف أن يتوسع في طلبه أكثر فأكثر. فأصبح الناس يتساءلون، "لماذا نضع السلطة في يد رجل واحد؟ .. فنحن أيضاً لنا الحق في أن نكون ملوكاً، ولا نظن أن ملكنا يختلف عنا خلقة. فلماذا ينفرد هو بالحكم؟ .. فهل هو يملك أعضاء أكثر منا؟ .. مثلاً، هل لديه أربعة أرجل؟ .. كلا إنه مثلنا، لديه ساقان .. إذا كان لديه ساقان فقط، فمعنى هذا أنه مثلنا .. له رأس واحد، يدان ورجلان .. فلننظر إن كان له ذيل! .. إن كان له ذيل فهذا يعني أنه مختلف عنا، وله الحق في أن يكون ملكاً (يقولها مولانا بروح الفكاهة) .. وإن لم يكن له ذيل فهو إذن مثلنا. ونملك الحق مثله في أن نكون ملوكاً .. إذن فما الذي يميزه عنا حتى ينفرد بالسلطة؟ .. فنحن أيضاً نريد أن نكون ملوكاً".
يجب أن نصوغ دستوراً جديداً يمنح الفرصة لكل من يرغب أن يكون ملكاً .. ألغوا الانفرادية في الحكم وامنحوها لكل الناس. ويمكن تطبيق هذه الفكرة عن طريق الانتخابات. فيكون لكل 100 ألف شخص مثلاً ممثل واحد، أو لكل مليون شخص ممثل واحد. ويجتمع هؤلاء النواب والممثلون ويتكوّن البرلمان ..
فماذا يعني البرلمان؟ هم لا يصرحون، أن البرلمان تعني: النظام الذي يعطي لكل شخص الفرصة في أن يكون ملكاً .. لذلك يجب علينا قول الحقيقة. وإذا لم نصرح بالحقيقة، فسيحصل ما لا نهاية له من النزاعات والأزمات. تلك هي ديمقراطيتهم. وهذا هو نظامهم البرلماني. كل فرد يريد أن يكون الرقم "واحد"، أو أن يكون "الملك". يجلس على كرسي الرئاسة أو عرش الملك.
أيها الناس، إنني أطلب المغفرة لي ولكل من زاغ عن الحق. وإنني أوجه خطابي لكافة الناس شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بمن فيهم العالم الإسلامي الذي رفع راية التوحيد عالياً، وأقول، "أخطأتم!" فهذا العالم كله يكفيه ملك واحد، وإن زاد حجم هذا العالم عشرة أضعافه، وإن زاد إلى مئة ضعف، فيكفيه ملك واحد. تلك هي ’الوحدانية‘.
كل واحد يتوق إلى ’الوحدانية‘، ولا أحد يحب أن يكون له شريك. وما تلك الأفكار الجديدة بخلع الملوك، وتقسيم السلطة وما تتضمنه من قوة وشرف بينهم، إلا نتيجة لذلك الدافع .. "هذه الكعكة لشخص واحد فقط؟ .. بل نقتسمها بيننا، ونعطي كل واحد حصة منها .. وبذلك نرضي الجميع .. وكل يفرح بحصته ويقول، "أنا أيضاً لي حصة من ’الوحدانية‘ .. ولكن أن تكون تلك الكعكة كلها لشخص واحد، فهذا ما لا نقبله".
الديمقراطية هي أكبر الفخاخ التي نصبها الشيطان للبشر لإيقاعهم في بحار لا نهاية لها من المشاكل والأزمات والتفاهات. يقعون فيها ولا يجدون سبيلاً للخروج منها لإنقاذ أنفسهم. وتلك هي الغاية القصوى التي يريد أن يصل إليها الشيطان والنظم الشيطانية. فمنذ أن أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة أن يسجدوا لآدم وعصى إبليس ربه، ولم يسجد لآدم، ليس له شغل ولا هم إلا نحن؛ بنو آدم، ولا يتركنا للحظة واحدة، أبداً. وقد توعد بني آدم ليذيقهم بأسوأ ما عنده. فلا يعرفون معنى الراحة والسعادة ولا يشعرون بالرضا ولا يذوقون طعم الحياة الطيبة، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أيها الناس! .. أيها الناس، انتبهوا لكلامنا جيداً! فإنكم لن تجدوا أحداً يتكلم بمثل هذا الكلام، لا شرقاً ولا غرباً ولا شمالاً ولا جنوباً، إلا هذا العبد الضعيف الذي يجلس أمامكم، فيحدثكم بما يفتح له. فإن الشيطان يبتسم قائلاً، "لقد أذقت بني آدم أسوأ ما عندي وحرضتهم على قتل بعضهم البعض، وجعلت كل واحد يسعى ليكون ملكاً .. فيقول القذافي، "أنا الملك!" ويقول مبارك نفس الشيء، ويقول بشار، "أنا رب أهل الشام". وآخر يقول، "أنا رب أهل العراق". وفي تركيا من يقول، "أنا رب الأتراك .. أتركوا رب العثمانيين وتعالوا وآمنوا بربوبيتي!" .. والشيطان لا يتوانى لحظة في سعيه الحثيث لإغوائهم. بل وينمي عندهم الرغبة في ’الوحدانية‘ ويهمس في آذانهم، "الوحدانية .. الوحدانية" .. ولو كان هناك 500 عضو أو سيناتور في البرلمان، فكل واحد منهم يظن نفسه فريداً من نوعه، ويسعى للوصول إلى ’الوحدانية‘" .. والأتراك كذلك، إنهم يجرون الانتخابات ليحصلوا على ’الوحدانية‘ .. "أسعى إلى ’الوحدانية‘، ولا أقبل أن يكون لي شريك .. وتركيا لي وحدي!" ..
أيها الناس! إنكم تستمعون إلى عبد ضعيف. ولكن في بعض الأحيان، رب السموات يجعل ذلك العبد الضعيف يتكلم في مسائل خطيرة وثقيلة، كموضوع ’الوحدانية‘. وهذا العبد الضعيف يعرف سبب المشاكل التي تحدث على وجه الأرض شرقاً وغرباً .. لينين، سعى إلى ’الوحدانية‘ وكذلك ستالين وهتلر. وفي الصين، ماو سعى إلى ’الوحدانية‘، وكان في تركيا من سعى إلى ’الوحدانية‘ وكان في كل من مصر واليمن من سعى إلى ’الوحدانية‘. وإن كان هؤلاء وغيرهم يطلبون لأنفسهم ’الوحدانية‘، فماذا عن الآخرين؟ الكل يسعى وراء ’الوحدانية‘. لذلك، لا تنتهي المشاكل أبداً.
يا عباد الله! أنتم تستمعون إلى عبد ربكم الضعيف. فاحذروا من الشيطان، واحذروا دعاة ’الوحدانية‘ من الطغاة. كل شخص يريد أن يكون فريداً من نوعه ووجهتهم الحقيقية نحو ’الوحدانية‘؛ أي أن يكونوا مميزين. هم يخفون رغبتهم في ذلك ولكن، كل الأمم والملوك والأباطرة غايتهم تحقيق ’الوحدانية‘ لأنفسهم، ولهذا السبب يتقاتلون .. سبحان الله العلي العظيم!
أيها الناس، احذروا! وقولوا، "لا إله إلا الله" (مولانا والحاضرون يقفون)، تلك هي ’الوحدانية‘. فالوحدانية لله سبحانه وتعالى فقط، وليس لأي شخص آخر. وقد بعث إلينا عبداً من عباده، لم يدّع لنفسه ’الوحدانية‘ أبداً. وإنما دعا الناس إلى العبودية الحقة. وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. كان يدعو الناس كافة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وأن يتركوا دعوى ’الوحدانية‘ لأنفسهم. فالإسلام يدعو الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. وكل ما عداه يدعو إلى ’وحدانية‘ الأفراد.
أيها الناس! استمعوا جيداً وفكروا بذلك واقبلوا بالحقيقة. فإن’الوحدانية‘ خالصة لله عز وجل. تلك هي الحقيقة الحقيقية، التي أنزل بها رب العالمين إلى أنبيائه بتبليغها للناس كافة. وهي قول، "لا إله إلا الله!" (مولانا يقف ثم يجلس). وليس لأحد أن يدعي بالوحدانية، أبداً. ’الوحدانية‘ هي صفة إلهية وهي ليست لأحد سواه، ولا ينبغي أن يكون لأحد سواه. وسواه يصلح فقط للعبودية. فهو واحد أحد، {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي}، (طه:14) .. "لا أحد يستحق عبادته إلا أنا!" .. الله أكبر الأكبر .. (مولانا يقف) الله أكبر الأكبر! سبحانك يا رب! .. أنت السلطان، يا رب! نحن عبادك يا الله .. عجايب! .. سبحان الله! نتكلم بالإنكليزية ليتمكن الجميع من فهم كلامنا. لا أحد يمكنه أن يعترض على كلامنا هذا. ومن يعترض فهو على ضلال.
يا إخواني في تشيلي (مولانا يقف)، قولوا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وستحظون بأرفع مقامات العبودية. واتركوا الذين يدّعون ’الوحدانية‘ لأنفسهم، فهم جنود إبليس. وإبليس أول من سعى إلى طلب ’الوحدانية‘ لنفسه. ولهذا لم يسجد لآدم، عليه السلام. غفر الله لنا!
هذا بحر .. هذا بحر .. لم يتوقع أحد مثل هذا الخطاب. ولا يوجد مثله في كتب تاريخ الديانات، ولم يسمعه أحد من قبل. وبما أننا في آخر الزمان، ولم يبق إلا القليل إلى نهاية العالم، سيمنح الله عز وجل كل شخص ما يطلب أن يصل إليه. ولكن الناس غافلون، أرادوا ما عند الشيطان وركضوا خلفه، وأصبحوا من أتباعه. ولذلك جاء الأمر من السماء إلى عباد الله تعالى أن يزيلوا الشيطان وأتباعه وكل الأنظمة التي تروج إلى ’الوحدانية‘، ولن يبق على وجه الأرض إلا القليل من الناس الذين يتضرعون إلى الله تعالى ويتذللون بين يديه، "يا ربنا نحن عبيدك الضعفاء، اغفر لنا، وأبقنا على طاعتك وعبادتك! لأن عبادتك هي التي تشرفنا، وليست ’الوحدانية‘ هي التي تشرفنا. ’الوحدانية‘ لك، ونحن عبيدك الضعفاء!" .. غفر الله لنا! .. السلام عليكم.
يا إخواني في العبودية لله تعالى! أسلكوا سبيل الهدى ولا تخافوا. العبودية هي التي تكسو الناس بلباس الإسلام، ولا شيء سواه. وهناك أصحاب عقائد فاسدة يتحاملون على الإسلام، لأن الإسلام يحارب ’الوحدانية‘؛ وحدانية الأفراد. وكل الأمم والشعوب يسعون لتحقيق ’الوحدانية‘ لأنفسهم. تلك هي غايتهم الحقيقية. وأما الغاية الحقيقية لدى المسلمين هي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى. غفر الله لنا! .. السلام عليكم. الفاتحة.
.. عجايب! .. لم أفكر في هذا الأمر من قبل، ولم أتكلم عن هذا الموضوع قبل هذا. جعلوني أحدثكم عن هذا. لقد بلغنا الزمن الذي سيتم فيه تدمير كفر الشيطان. وهذا ما سيكون، إن شاء الله! الفاتحة. (مولانا يصلي ركعتي صلاة الشكر).