أشكروا كلّ من يعلّمكم
في أحد الأيّام وبينما كان رجل حكيم يسير مع تلاميذه في الطريق , تقدّم منه رجل فشتمه وبصق على وجهه . غضب التلاميذ الذين كانوا يرافقوا الشيخ وطلب أحدهم أن يعطيه الشيخ السماح ليلقّن هذا الرجل درسا .
مسح الشيخ الحكيم وجهه وقال للرجل : " شكرا يا سيّدي . لقد أحدثت حالا إستطعت من خلاله أن أختبر إذا ما زلت عرضة للغضب أم لا . ولحسن الحظ لم أغضب , وهذا ما أفرحني . وكذلك فتحت المجال لتلاميذي ليختبروا أنفسهم وليروا بأنّهم لا يزالوا عرضة للغضب . فالشكر لك . إننا ممتنين لك على هذه الفعلة ! أنت مدعو أن تأتي إلينا من وقت إلى آخر . وكلّما شعرت بالحاجة للبصق على وجه أحدهم يمكنك المجيء إلينا .
تفاجأ الرجل مما قيل ولم تصدّق أذناه ما سمعتاه . كان هدفه أن يغضب هذا الشيخ لكنّه لم يصل إلى مراده . لم ينم الرجل طوال الليل فبقي يتقلّب يمينا وشمالا . لم يفارقه وجه هذا الرجل الحكيم الذي بصق على وجهه , وكيف بقي هذا الرجل الحكيم مكفهرّ الوجه , وكيف قال له : " شكرا يا سيّدي . كلّما شعرت بالحاجة لتبصق على أحدهم تعال إلينا " .
لقد قضّ مضجع الرجل ما حدث . ذلك الوجه المسالم وتلك العيون التي تشع بالرحمة . حتّى عندما قال شكرا لم يكن ذلك مجرّد تصرّف شكلي . لقد كان فعلا ممتنا لفعلته . فكيانه بأكمله كان ممتنا . فبينما كان تلاميذه في غاية الغيظ كان هو في منتهى الحبّ والرحمة . لم يستطع أن يغفر لنفسه على فعلته . ماذا فعل ؟
في الصباح الباكر سارع الرجل إلى الشيخ الحكيم وركع تحت رجليه وقال له " سامحني يا سيّدي لم أستطع النوم طوال الليل " .
فأجابه الشيخ " إنسى كلّ ما حدث . لست بحاجة أن تعتذر عن شيء حدث سابقا . فكم من المياه قد جرت في الأنهار منذ ذاك الحين إلى هذه اللحظة . لقد مضى على ذلك أربعة وعشرين ساعة . لماذا تتكلّم عن شيء لم يعد موجودا ."
ثم تابع " وأنا لا أستطع أن أغفر لك لأنني لم أغضب منك . لو غضبت منك لكنت سامحتك . إذا أردت أن تطلب السماح فإذهب إلى تلاميذي سيفرحوا كثيرا بذلك ."
|