الحكيم والسارق
يحكى أنّ سارقا دخل كوخ لأحد المتصوّفين دون أن يعرف ذلك . أراد السارق أن يسرق شيئا قبل أن يشعر أحد بوجوده . فتّش طويلا لكنه لم يجد شيئا . فجأة أتاه صوت رجل يحمل شمعة بيده قائلا : " لقد كنت نائما بجانب الباب . لماذا لم توقظني لأريك البيت ؟ " . تعجّب السارق من سذاجة الرجل وبساطته وقال : " أنا سارق ألا تعرف ذلك " ؟ فأجابه الناسك : " هذا لا يهم كلّ يجب أن يكون أحد ما . إنني أعيش هنا منذ ثلاثين سنة , وللأسف لا أجد شيئا لأعطيك إيّاه . دعنا نفتّش معا علّنا نجد شيئا فنتشارك به " . دهش السارق من هذا الرجل وإعتقد أنّه مجنون , ففكّر في الهرب . لكن سرعان ما أعطاه الناسك غطاء يستخدمه لتفادي البرد . قدّم الناسك الغطاء له قائلا : " هذا كلّ ما أملك . خذ هذا معك فخارجا الجو باردا , وأنا داخل البيت لا حاجة لي بهذا الغطاء . " غطّى الناسك السارق بالغطاء , بعد أن أصبح نفسه عاريا . جنّ جنون السارق وقال : " لكني سارق , ألا ترى ؟ " فأجابه الناسك : " كلّ يجب أن يكون شيئا ما . كلّ يجب أن يكون له حرفة , لكن إتّقنها جيدا , وحاذر أن يراك رجال الأمن وإلاّ ستكون في موقف حرج . " هنا أجابه السارق والدهشة تعتلي وجههه :" أنت عجيب .. أنت عار ... لا تملك شيئا وتعطيني ! .." ردّ الناسك عليه قائلا : " لا تخف , سآتي معك ... فهذا الغطاء هو الشيء الوحيد الذي أبقاني في هذا الكوخ . وها هو الآن بحوذتك .. سآتي معك ونعيش معا ..ويبدو أنّ لديك الكثير من الأغراض التي يمكن أن نتشارك بها . فأنا أعطيك كلّ ما لديّ وأنت تعطيني القليل . هنا إنتفض السارق وقال : " لا أستطع أن أصطحبك معي فأنا ذاهب إلى عائلتي وأصحابي . ماذا سيكون موقفهم عند رؤيتهم رجل عار . عندها أجابه الناس :" معك حق . لن أضعك في موقف محرج كهذا . لذا إذهب وسأبقى وحيدا " . هنا هرول السارق للخروج من الكوخ وعندما أصبح في الخارج صرخ الناسك قائلا : " توقف " . تسمّر السارق في مكانه من قوّة هذا الصوت وإستدار . فتابع الناسك قائلا " لقد أعطيتك غطائي ولم تشكرني . أشكرني لأنّك ستستفيد من ذلك لاحقا . ثمّ خرجت ولم تغلق الباب وراءك . فالجو بارد خارجا ولا أملك غطاء . صحيح أنّك سارق لكن بما يتعلّق باللياقات , فأنا رجل صعب لا أستطع تحمّل هذا النوع من المعاملة " . شكر السارق الناسك وأغلق الباب وهرول مسرعا . ...لكن في تلك الليلة لم يستطع السارق النوم , فصوت الناسك الذي خرق قلبه لم يفارقه أبدا .
بعد فترة قصيرة قبض على السارق وطلب منه أن يسمّي شخص يعرفه . تذكّر السارق الناسك وذكر إسمه . عندما سمعت المحكمة بإسم الناسك , ذاك الرجل المعروف بحكمته , قررت أن تأخذ برأيه . إستقدمت المحكمة الناسك وسألوه إذا كان على معرفة بهذا الرجل . فأجاب " وكيف لا ! نحن شركاء . إنّه صديقي . لقد زارني في إحدى الليالي وقدّمت له غطائي هذا . فسأله القاضي : " وهل يسرق هذا الرجل ؟ " فنظر الناسك نظرة ملؤها الحب وقال : " أبدا .. إنّه رجل لطيف جدا . فعندما أعطيته الغطاء شكرني ثمّ أغلق الباب وراءه بكل لطف حتّى لا أبرد في الليل . إنّه رجل لطيف ومهذّب جدا . "
عندها أخلى القاضي سبيل السارق وبينما كان يهم الناسك ليعود أدراجه لاحظ بأن السارق يتبعه . فإستدار وسأله عن السبب . فأجابه السارق : " الآن لا أستطع أن أتركك بعد أن قلت إنني صديقك وشريكك . أنت الوحيد الذي كنّ لي هذا الإحترام والتقدير الذي لم يظهره لي أحد " أود أن أتعلّم منك هذا النضج والقوّة والقدرة لرؤية الأمور بطريقة مختلفة . "
هنا إبتسم الناسك وقال : " هل تتذكّر كم كانت حالتي مذرية تلك الليلة ... لم أستطع النوم من شدّة البرد .. يومها كتبت قصيدة بينما أراقب القمر , قصيدة كتبت فيها لو إنني غني لأعطيت هذا القمر لهذا المسكين الذي قصدني ولم يجد شيئا عندي ... يومها بكيت .. وفكّرت بأنّ اللصوص يجب أن يخبروا قبل يوم أو يومين من مجيئهم , حتّى يحضّر الإنسان شيئا لهم فلا يذهبوا فارغي الأيدي . في تلك الليلة طلبت أن أذهب معك لكنّك رفضت . لكنني سأصطحبك معي . أحذّرك ! لا أملك شيئا ماديا لأشاطرك إيّاه . لكن لديّ شيء لا يرى للمشاطرة . " عندها نظر إليه السارق بحنان وقال :" أشعر أنّه شيء غير مرئي . فأنت أنقذت حياتي , وحياتي ملك يديك ... إفعل ما تشاء ... لطالما أضعت الكثير من حياتي ... حوّلها كما تشاء ... لقد وقعت بحبّك منذ اليوم الأوّل الذي رأيتك فيه . "
|