بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى إبراهيم عليه السلام
بعد موت سيّدنا صالح عليه السلام , إنتشر شعبه على أنهر الوديان في الجزيرة العربية شرقا وغربا على إمتداد الفرات والنيل . بنت هذه الشعوب العديد من المدن هناك وحافظوا على قوّة إسلامهم . ولكن مع الوقت, وكغيرهم من البشر بدؤا ينسوا دينهم تدريجيا إلى أن أصبحوا مع الوقت جاهلين كأجدادهم . وكان أسوء هذه الأقوام قوم الملك نمرود . فشعبه عبدوه كإله وجعلوه يفعل ما يحلو له .
لقد كان نمرود في قمّة الضلال .كان يتزوّج أي إمرأة تحلو له , ويقتل أيّ رجل يزعجه . في أحد الأيام رأى نمرود كابوسا في حلمه . فقد رأى نجمة ساطعة تنزل من السماء وتقع على رأسه . جلب نمرود العرّافين الذين أجمعوا بأنّ الرؤيا تدلّ بأنّه سيولد صبي وسيحلّ مكانه كملك . أمر نمرود أن يقتل كلّ طفل صبي يولد على مدّة عشرة سنين .
كان لنمرود خادم يدعى عزار . كان عزار يحفر أصنام من الخشب . هذه الأصنام تمثّل معبودهم نمرود . عندما سمع عزار الخبر ركض إلى زوجته الحامل ليطلب منها أن تختبئ من أجل حماية الطفل الذي في بطنها . هربت زوجة عزار إلى البراري وسرعان ما شعرت بأنّها أضاعت الطريق . في منتصف الغابة ظهر عليها كائن نوراني من السماء . لقد كان جبريل عليه السلام . دلّها جبريل عليه السلام على كهف مفروش كالقصور, فيه البسط والوسائد وخدم من السماء . في هذا الكهف جلبت إلى الدنيا طفلها الصغير بكلّ أمان . لقد كان الطفل جميلا ويشعّ من رأسه نور أنار الكهف , ووصل مدى هذا النور إلى السماء .
بعد أن إستراحت من الولادة أرشدها جبريل عليه السلام إلى بيتها . لكن في كلّ ليلة كانت تذهب إلى الكهف لترى طفلها . في أحد الليالي وجدت باب الكهف مغلق بالحيوانات البرّية . خافت المرأة على حياة طفلها , لكن الحيوانات تكلّموا معها وهدّؤا من روعها . فقد أخبروها بأنّهم أتوا إلى هناك لرؤية نبي الله عزّ وجلّ , وفتحوا لها الطريق لتدخل إلى إبنها . وجدت الأم إبنها يمصّ أصابعه . عندما أخرجت الأم أصابعه من فمه لإرضاعه , وجدت أنّه يسيل من أصبعه الأوّل الزبدة , ومن أصبعه الثاني العسل ومن الثالث زهر الليمون , ومن الرابع عصير ومن الخامس حليب . لقد كبر إبراهيم عليه السلام بطريقة أسرع من الأطفال الآخرين , وبمدّ قصيرة أصبح كبيرا .
بقي إبراهيم عليه السلام لمدّة عشرة سنين في الكهف ولم يرى خلال هذه الفترة سوى أمّه والكهف . أخيرا طلب من أمّه أن يخرج من الكهف ليرى العالم . أخرجته أمّه ليلا في ليلة كانت السماء مملؤة بالنجوم . سأل إبراهيم عليه السلام أمّه : " ما هذه الأنوار ؟ " فأجابته الأم على قدر فهمها :" إنّهم الآلهة يا ولدي " . لكن فجأة إختفت النجوم خلف الجبال , فقال لها : " لكنهم لم يبقوا . لا يمكن أن يكونوا آلهة ."
ثمّ رأى القمر بازخا في السماء فسأل أمّه عنه فأجابت مجددا " إنّه إلاه " . راقب إبراهيم عليه السلام القمر حتّى بزوغ الفجر فلاحظ أنّه إختفى أيضا خلف الجبال . فقال إبراهيم عليه السلام " هذا ليس بالإله فهو يختفي أيضا " .
ثمّ رأى الشمس تشرق بلونها الأحمر الساطع فقال في داخله " لا بدّ أن يكون هذا هو الله " . لكنّ الشمس إختفت أيضا خلف الجبال . فعرف إبراهيم عليه السلام أنّ أهله وشعبه على خطأ . فهم لا يعرفوا شيء عن الله عزّ وجلّ .عندها وجّه إبراهيم عليه السلام قلبه إلى الله عزّ وجلّ وطلب منه المساعدة .
بدأ جبريل عليه السلام يعلّم إبراهيم عليه السلام عن حقائق الأشياء . عندما بلغ إبراهيم عليه السلام السادس عشر من عمره وأصبح هناك أمان , أخذ أهل إبراهيم عليه السلام إبنهم إلى القرية وأخبروا الناس بأنّه قريب لهم . بدأ إبراهيم عليه السلام يخبر الناس الذين يأتون إلى متجر الأصنام الذي يمتلكه والده بوجود الله الواحد . إستمع بعض الناس له , وإعتقد البعض بأنّه مجنون . آمنت أم إبراهيم عليه السلام بما يقول إبنها , لكن بدأ زوجها يخسر تجارته فغضب كثيرا .
في أحد الأيّام وبينما كان جميع الناس في إحتفال لنمرود أخذ إبراهيم عليه السلام الفأس وحطّم جميع الأصنام إلاّ واحد منهم . عندما رجع الناس أصيبوا بالذعر وتملّكهم الخوف . فألقوا القبض على إبراهيم وبدؤا بإستجوابه . أخبرهم إبراهيم عليه السلام بأنّ الصنم هو المسؤول عن ما حصل . عرف الناس أنّ الصنم لا يستطع إستعمال الفأس ولذا أصيبوا بالحيرة . ثمّ سألهم إبراهيم عليه السلام " لماذا تعبدون أشياء لا يمكنها مساعدتكم أوحتّى أن تؤذيكم . "
غضب نمرود من إبراهيم عليه السلام فإعتقله ووضعه في السجن , وحكم عليه بالموت حرقا . جمع شعب نمرود جبل من الحطب ووضعوا إبراهيم عليه السلام في وسطه . كانت لهيب النار قوّية جدا لدرجة أنّ القاطن على بعد ميل منها عليه أن يحمي نفسه من حماوة النار .
حاولت الحيوانات مساعدة إبراهيم عليه السلام . حتّى النحلة الصغيرة حاولت أن تجلب القليل من الماء في فمها لإطفاء النار,لذا وهبها الله عزّ وجلّ العسل كمكافاة لها . وكذلك العصافير والوحوش صلّوا من أجل سلامته . حتّى الملائكة في السماء طلبوا من الله أن يحميه . لكن إبراهيم عليه السلام توجّه إلى الله عزّ وجلّ وقبل بأيّ شيء يقدّره الله عزّ وجلّ له .
بعد بضعة أيّام إحترق الكثير من الحطب وأصبح بالإمكان رؤية الدخان . من خلال الدخان رأى الناس إبراهيم عليه السلام جالسا يصلّي لله والنور يشعّ منه . ففي داخل هذه النار جعل الله عزّ وجلّ جنّة لإبراهيم عليه السلام ملؤها الخضار .
بعد هذا أطلق نمرود سراح إبراهيم عليه السلام . ترك إبراهيم عليه السلام أهله وشعبه الكافر وذهب بجماعة من المؤمنين إلى الصحراء .
فاليبارك الله إبراهيم عليه السلام وليمنحه السلام .