بسم الله الرحمن الرحيم
وإنتقل النور إلى نوح عليه السلام
رزق إدريس عليه السلام بعديد من الأطفال والأحفاد . من بين هؤلاء كان لمق . حمل لمق عليه السلام نور جدّه إدريس عليه السلام , بالرغم من أنّه لم يكن نبيّا عظيم . رزق لمق عليه السلام وزوجته طفلا صغيرا يشعّ من جبهته نورسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم . كان النور يشعّ من رأسه كالمنارة التي تستهدي بها السفن إلى الشاطئ .
أعطي الطفل إسم سكير , لأنّه كان حلوا جدا , لكنّه دعي لاحقا بنوح عليه السلام بسبب المشاق التي واجهها في حياته . وكان رسولا عظيما .
عمل نوح عليه السلام حطابا . وفي الأربعين من عمره أخذه الملاك ميكائيل عليه السلام في رحلة ليريه العالم بأكمله . لم يجد نوح عليه السلام في رحلته سوى الظلم واليأس . فالأغنياء لا يهتمّوا بالفقراء , والقوي لم يعد يحمي الضعيف . لاحظ نوح عليه السلام بأنّ الذين منحوا مواهب من الله عزّ وجلّ أصبحوا يستعملوها لخدمة أنفسهم وضرر الآخرين . فالبشر لم يعودوا يتذكّروا ربّهم , ونسيوا واجبهم كحرّاس على مخلوقاته . سافر نوح عليه السلام في مختلف أنحاء الأرض وأخبر الناس عن وجود الله عزّ وجلّ . لقد علّم الناس أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بلطف وعدل . لكنّ لم يستمع له أحد . فالأغنياء جعلوا حرّاسهم يطاردونه , والفقراء أخذوا يرموه بالحجارة .
سخر الناس لمدّة 480 سنة من سيّدنا نوح عليه السلام , ولم يتّبعه سوى 80 رجل وإمرأة . كان نوح عليه السلام لديه زوجة وأربعة أولاد , سام عليه السلام , هام عليه السلام , يافث عليه السلام ويام . حتّى زوجته وإبنه يام لم يتبعوه وكانوا من الكفّار .
يئس نوح عليه السلام من الحالة التي وصلت إليها الأرض وطلب من الله عزّ وجلّ أن ينظّف الأرض من الشر ومن الأشرار . قبل الله عزّ وجلّ دعاء نوح عليه السلام ,وبدأ نوح يبكي على ما سيصسب البشرية من دمار من مجرّد دعائه . لذلك دعي "نوح" , أي الذي يبكي بشدّة بسبب الحزن .
أمر الله عزّ وجلّ نوح عليه السلام أن يبني سفينة كبيرة . والسفينة يجب أن تتألّف من 124000 قطعة خشب . وعلى كلّ قطعة يجب كتابة إسم أحد الأنبيار الذين أتوامن قبل نوح عليه السلام وإسم أؤلائك الذين لم يأتوا بعد . أمّا مقدّمة السفينة فيجب أن تكون مثل القفص الصدري للعصفور , والمؤخّرة يجب أن تكون كذنب الطاووس ,وعليها أن تتكون من ثلاثة طوابق . الطابق الأسفل هو للحيوانات , والثاني للعصافير والحشرات , والطابق العلوي للناس . سميّت هذه السفينة بالتابوت , لأنّها تشبه تابوت شيث عليه السلام وما يحتويه من كنوز عظيمة . وهذه السفينة هي أيضا ستحفظ من الإندحار جميع الناس الصالحين وأسماء الرسل والأنبياء .
أنهى نوح عليه السلام بناء الفلك لكنّه لم يكن هناك أي وجود للماء , أو حتّى بحر أو بحيرة ممكن أن يساعد مركب كبير كهذا ليطفو . إعتقد الناس السيئين أن نوح عليه السلام قد جنّ فأخذوا يزعجوه دون رحمة . فعمدوا إلى إستعمال السفينة كمرحاض إلى أن تغطّت بأكملها بالأوساخ وأصبحت رائحتها كريهة لدرجة أنّ نوح عليه السلام لم يعد يجرء الإقتراب منها . لكنّ الله جلّ جلاله وعد نوح عليه السلام بأنّ الكفّار سينظّفوا السفينة بأنفسهم .
إنتشر المرض بين الكفّار . وبدأت تنتشر بقع حمراء مثيرة للحكاك على أجسادهم . كان الكفّار بحالة مذرية جدا وبينما كان أحدهم يستعمل السفينة كمرحاض إنزلق ووقع في حفنة وسخ . لاحظ الرجل أن الطفح الجلدي لديه قد شفي . أخبر الرجل الجميع بما حصل وعلى الفور عمد الجميع إلى التدحرج في وسخهم , لدرجة أنّهم لعقوا بألسنتهم ما تبقّى حتّى لا يذهب شيئا هباء . وهكذا أصبحت السفينة نظيفة كما كانت عليه .
أمر الله عزّ وجلّ نوح عليه السلام أن يملأ السفينة بالأكل والماء وأن يجلب من كلّ حيوان ذكر وأنثى . وقد أمر الله عزّ وجلّ جميع المخلوقات أن يعيشوا بسلام على مدى الرحلة . كانت السفينة ملؤها الأمان وقد تمنّى كلّ من عليها الآخرين العيش بسلام . فالأسد واللبوة كانا يحنيان رأسيهما الملكيان كلّما مرّ بهما الخاروف المتواضع . وكانا النمر والنمرة يتكلّمان بصوت ناعم حتّى لا يذعرا الغزال . والثور الضخم والبقرة كانا يضعان رجليهما بكلّ تأن حتّى لا يأذيا الحيوانات الصغيرة . وحتّى القطّ والقطّة كانا يخفضا نظرهما عندما كانا يرا الفأر وزوجته يمرّان بجانبهما . في الطابق الثاني أطبقت الطيور الكبيرة , البومة و النسور مخالبهم على العصا التي كانوا يجثوا عليها بينما كانت الزرازير والحساسين يرفرفوا ويلعبوا .
وأخيرا دخل ثمانين مؤمن إلى السفينة وإنتظروا هناك . فجأة ظهرت السحب السوداء في السماء وبدأت تمطر . خرجت الماء من الأرض أيضا . فأصبحت البئرة برك كبيرة والسواقي أنهارا غزيرة . وهكذا خدقت الماء من الأعلى ومن الأسفل . بدأت السفينة تطفو على الماء . عندها نادى نوح عليه السلام زوجته وإبنه ليركبوا معه في السفينة لكنّهم إعتقدوا بأنّهم أذكى من الله عزّ وجلّ وصعدا إلى قمّة جبل عال . لكنّهما لم يعرفا بأنّه لا يوجد أحد أذكى من الله عزّ وجلّ . فسرعان ما غطّت المياه قمّة الجبل فغرقا تحت الماء . وهكذا إختفت الأرض اليابس رويدا رويدا وأغرقت المياه الناس والبيوت والشجر .
بقي نوح عليه السلام وأتباعه ستة أشهر على السفينة إلى أن بدأت المياه بالإنحسار . وأخيرا في العاشر من محرّم رست السفينة على جبل جودي . نزل ثمانين رجل من السفينة وحضّروا آخر غذاء لهم ممّا تبقّى من الفواكه المجفّفة والفاصوليا والعدس والأرز والقمح . ودعوا هذه الأكلة حلويات نوح عليه السلام .
بدأ الناس ببناء البيوت وفلاحة الأرض . ثم طلب الله عزّ وجلّ من نوح عليه السلام أن يصنع عدد كبير من الأواني الفخّارية . سارع نوح عليه السلام لتحقيق ما طلبه منه الله عزّ وجلّ وصنع الألوف من الأواني الفخّارية . بعد أن جفّت الأواني وضعها نوح عليه السلام فوق بعضها البعض إلى أن أصبحت بعلو جبل كبير . ثمّ أمر الله عزّ وجلّ سيّدنا نوح عليه السلام أن يسحب الجرّة الموجودة في القعر فوقعت الأواني جميعها وتحطمت مخلّفة وراءها ملايين القطع الصغيرة . بكى نوح عليه السلام بسبب هذه الخسارة وبكى أكثر عندما رأى مدى الخسارة الفادحة التي أحسّ بها الله عزّ وجلّ عندما خسر مخلوقاته على الأرض . شعر سيّدنا نوح بالأسى وطلب من الله عزّ وجلّ أن يسامحه لطلبه منه إغراق الأرض ومن عليها .
عاش نوح عليه السلام 950 سنة . وكان أولاده سام عليه السلام , وسام عليه السلام ويافث عليه السلام هم الوحيدون الذين نجوا من هذا الفيضان . لذا فإنّنا جميعا من نسلهم . سكن أبناء سام عليه السلام في جزيرة العرب والهند . وسكن أولاد يافث عليه السلام في تركيا , إيران وأوروبا . أمّا أبنا هام عليه السلام فسكنوا في مصر وأفريقيا .
فليبارك الله عزّ وجلّ نوح عليه السلام ويمنحه السلام الأبدي .