بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى يونس عليه السلام
ترك يونس عليه السلام والده وقلبه مملوؤ بالحزن لمعرفته في كنينة نفسه بأنّه لن يرى والده ثانية في هذه الحياة , وإلتحق بقافلة متجّهة إلى نينوى . كان يونس عليه السلام نقيا وبريئ لذا غشّه لصوص على الطريق وسرقوه ولم يعد يحمل في جعبته سوى بعض الدراهم عند وصوله إلى نينوى . وجد يونس عليه السلام أنّ معظم أهل القرية يعملون بالفخّار . ومن حسن حظّه تعرّف على رجل يتكلّم لغته الذي أخذه بدوره إلى رجل مسن يصنع الفخّار للملك . هذا الرجل كان يفتّش عن أحد يرثه في صنعته بعد أن أبدى أولاده عدم الإهتمام بصنعته .فأخذ يونس عليه السلام كتلميذ له وتعهّد أن يعلّمه الصنعة على أصولها .
بعد قليل من الوقت مرض الرجل المسن وعرف أنّه على فراش الموت فقدّم يونس عليه السلام إلى الملك على أساس أنّه الحرفي الذي سيرثه . أحبّ الملك يونس عليه السلام ووثق به بعد أن إمتحنه في عدّة مواقف , فأعطاه متجرا بقرب القصر وأصبحا أصدقاء . صنع يونس عليه السلام أوان جميلة للملك لم يرى مثلها من قبل . فبدلا من تزيين الأوعية الفخّارية بأشكال مخيفة كالجن والوحوش زيّنها برسومات جميلة مأخوذة من الطبيعة .
تعلّم يونس عليه السلام اللغة الآشورية لكنّه لم يتكلّم يوما ما في الدين , لأنّ الآشوريين كانوا عبدة أصنام ولم يكن عندهم القدرة على تخيّل إلاه غير مرئي أو محسوس .
سمع يونس عليه السلام بموت أبيه فحنّ لرؤية عائلته لذا طلب من الملك أن يأذن له بالذهاب إلى بلده . وافق الملك . ذهب يونس عليه السلام مع قافلة ومرّوا بقرب مدينة . أنذرهم يونس عليه السلام بأنه هناك شيء غير طبيعي في هذه المدينة , لكن لشدّة جوعهم لم يستمعوا له فذهبوا ولم يعودوا . تابع يونس عليه السلام طريقه وهنا إلتقى بفرقة من الجيش . أنذرهم يونس عليه السلام بعدم دخول المدينة بسبب الطاعون المتفشّي فيها . شكره الجنود وأرسل معهم سلام إلى الملك وتابع طريقه.
في ذاك اليوم حلم يونس عليه السلام بحلم مخيف . فقد حلم بوالده أليسع عليه السلام كما لم يراه من قبل في حياته . لقد كان أليسع عليه السلام غضبان من إبنه ووبخّه بسبب تركه نينوى , لأنّ الله عزّ وجلّ قد بعثه إلى هناك وإذا أراد أن يستأذن أحدهم للذهاب إلى أي مكان فعليه إستئذان الله عزّ وجلّ وليس الملك . فأمره والده أن يعود ثانية إلى نينوى المكان الذي إختاره له الله عزّ وجلّ وأمره بالصبر .
رجع يونس عليه السلام إلى نينوى دون أي تردّد . في طريق العودة رأى نورا متوهجا آت في إتجاهه من السماء وبدأ يكبرأكثر فأكثر إلى أن عرف بأنّه جبريل عليه السلام . أخبر جبريل عليه السلام يونس عليه السلام بأنّ الله عزّ وجلّ قد إختاره ليكون نبيّه وبأنّ شعبه وعمله يكمن في نينوى .
عندما عاد يونس عليه السلام إلى نينوى وجد نفسه بطلا كبيرا . فقد أنقظ المدينة من تفشّي مرض الطاعون المميت . بدأ يونس عليه السلام يخبر الناس عن وجود الله عزّ وجلّ الذي لا يرى ولا يمكن أن تدركه الأبصار . إعتقد الملك بأن يونس عليه السلام أصيب بقليل من الجنون بسبب الطاعون لكنّه لم يؤذيه لحمايته البلد . تابع يونس عليه السلام دعوته الناس إلى الله الواحد الأحد عشرين سنة لكن لم يستمع إليه أحد . كان يونس عليه السلام يصاب باليأٍس في عديد من الأوقات , لكن جبريل عليه السلام كان يأتي ويواسيه ويخبره بأنّ هذا كلّه ضمن خطّة الله عزّ وجلّ .
في أحد الأيّام جاء جبريل عليه السلام إلى يونس عليه السلام وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ يأمره بالذهاب إلى الملك ليخبره بأنّ عذاب الله عزّ وجلّ سيحلّ في هذا البلد خلال أربعين يوما إذا لم يؤمنوا بالله الواحد الأحد . غضب الملك من كلام يونس عليه السلام وهدّده إذا إستمر في قول ذلك ,حتّى الناس لم يعيّروا كلامه أيّ إهتمام .
مضى أربعين يوما , وفي اليوم الأربعين فرغ صبر يونس عليه السلام فركب مركبه وترك أهل نينوى ليأتيهم العذاب . وما أن أبحرقاربه حتّى هبّت عاصفة عاتية وأخذت تقذف بالقارب في جميع الإتّجاهات . وفجأة ظهرت سمكة كبيرة في البحر وكأنها تريد أن تحطّم القارب . عرف يونس عليه السلام بأنّ الريح أرسلت إلى أهل نينوى لتعاقبهم وبأنّ السمكة أرسلت له . وهكذا ترك يونس عليه السلام نينوى مرّة ثانية دون إذن من الله عزّ وجلّ بعد أن فقد الصبر والرحمة على شعبه . رمى البحّارة يونس عليه السلام في البحر فإبتلعته السمكة وأبحرت السفينة بأمان وإستمرت العاصفة في التوجّه نحو نينوى .
أمرت السمكة من الله عزّ وجلّ أن تبتلع يونس عليه السلام لكنّها لم تؤمر بأكله . حتّم الله عزّ وجلّ على يونس عليه السلام أن يقوم بخلوة في بطن السمكة لمدّة أربعين يوما وأن يقول الذكر التالي " لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " (الأنبياء , 87 ) . وأخيرا غفر الله عزّ وجلّ له .
في هذا الوقت إتّجهت الغيمة في إتجّاه نينوى وعلى أثر ذلك حدثت معجزة كبيرة . لقد زرع يونس عليه السلام لمدّة عشرين سنة بذور الإيمان في نينوى وفجأة نبتت في لحظة واحدة . عندما رأى الملك والشعب بإقتراب الغيمة بدؤا بالإيمان . فصلّوا إلى الله عزّ وجلّ أن يحميهم من الدمار . بالطبع لم يعرفوا كيفية الصلاة وحتّى نبيّهم لم يكن موجودا , لكن بالرغم من ذلك مرّت الغيمة وظهرت الشمس ولم يحطّم سوى الأصنام في المعبد .
أكمل يونس عليه السلام خلوته في بطن السمكة لمدّة أربعين يوما وبصقته السمكة على شاطئ البحر عاريا وفاقد الوعي . لقد تجعّد جلده وأصبح طريا بسبب بقائه مدّة طويلة في الرطوبة مما أدّى إلى إحتراق جلده من أشعة الشمس المحرقة . حماه الله عزّ وجلّ وجعل عريشة تنمو فوقه لتظلّله . في هذا الوقت مرّ راع بيونس عليه السلام وأطعمه وأخبره بأنّ نينوى لم تدمّر . غضب يونس عليه السلام لسماعه بذلك الخبر فذبلت العريشة وماتت . حزن يونس عليه السلام لخسارته للعريشة فوبّخه الله عزّ وجلّ لإهتمامه بالعريشة أكثر من إهتمامه بمدينة ملؤها مخلوقات الله الذي أبدع في تكوينهم , أي البشر . طلب يونس عليه السلام المغفرة من الله عزّ وجلّ .
بمساعدة الراعي الذي أصبح خادمه الذي يثق به ذهب يونس عليه السلام إلى نينوى . هناك وجد الملك والناس أجمين على إستعداد لسماع تعاليمه . فعلّمهم كيفية الصلاة والشريعة وبنى جامع مكان المعبد الذي كان ملؤه الأصنام .
تزوّج يونس عليه السلام ورزق بالأولاد . لقد كان يونس عليه السلام واحد من نبيين آمن شعبهم بهم . النبي الآخر كان النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم . توفي يونس عليه السلام في المكان الذي عاش فيه ودفن هناك .
ربّما نصاب بالدهشة بأنّ يونس عليه السلام إرتكب الكثير من الأخطاء الذي أغضبت الله عزّ وجلّ . ولكن يقال أن كلّ الأنبياء عصوا الله عزّ وجلّ ولو لمرةّ واحد وذلك بأمر الله عزّ وجلّ بإثتثناء نبي آخر الزمان النبي محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام , الذي أختير ليكون مثال الرجل الكامل .
فليبارك الله عزّ وجلّ بيونس عليه السلام وليمنحه السلام