بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى يوشع عليه السلام
إنّ أحد الرجال الذين تبعوا موسى وهارون عليهما السلام في هربهما من مصر كان يوشع عليه السلام . لقد كان طفلا صغيرا عندما أخذ موسى بيده وأصبح خادما له . خدم يوشع عليه السلام موسى عليه السلام في جميع المناسبات في مصر . فقد وقف بجانب موسى عليه السلام بينما كان يجادل فرعون وعندما حلّت المصائب بالمصريين . وهكذا أينما ذهب موسى عليه السلام فقد كان يوشع عليه السلام يرافقه ويشهد المعجزات .
في يوم من الأيّام رافق يوشع عليه السلام موسى عليه السلام متجهين جنوبا يفتّشون عن رجل حكيم يدعى الخضر عليه السلام . أراد موسى عليه السلام أن يتعلّم منه شيئا . لقد طلب الله عزّ وجلّ من موسى عليه السلام أن يحمل سمكة مشوية وعندما تحيا السمكة وتسبح في النهر يكون قد إقترب من مكان وجود الخضر عليه السلام . شهد يوشع عليه السلام الخادم هذه المعجزة وأصيب بالذهول منها . ترك موسى عليه السلام يوشع عليه السلام وراءه وذهب مع الخضر عليه السلام وحيدا ليمتحن وليتعلّم شيئا جديدا .
ذهب موسى عليه السلام والخضر عليه السلام في قارب صغير . كان صاحب القارب لطيفا جدا ولم يتقاضى منهما أجرا على ذهابهما معه . بالرغم من ذلك وعندما حلّ الليل ثقب الخضر عليه السلام القارب وذهب وموسى عليه السلام بعيدا . ذعر موسى عليه السلام من هذا المنظر .
وبينما كانا يتنقّلان في المدينة رآ مجموعة صبية يلعبون في الوحل . لفت نظرهم ولدا لطيفا جدا . إقترب الخضر عليه السلام من هذا الولد وضربه فوقع على الأرض ميتا . لم يستطع موسى عليه السلام أن يتحمّل هذا أبدا .
في تلك الليلة نام الرجلان في العراء لأنّه لم يستقبلهما أو يطعمهما أحد . فأصحاب المدينة كانوا بخلاء وغير لطيفين . في الصباح الباكر طلب الخضر عليه السلام من موسى عليه السلام أن يساعده في تعمير حائط كاد أن يتصدّع .
لم يعد يتحمّل موسى عليه السلام ما يراه . فسأل الخضر عليه السلام : " لماذا ثقبت سفينة الرجل الكريم ؟ لماذا قتلت ذلك الطفل البريئ ؟ لماذا بنيت الحائط لأناس بخلوا علينا حتّى بشربة ماء . ؟ "
أجابه الخضر عليه السلام : " لن نستطع أن نسافر مع بعضنا البعض بعد الآن . فأنت لن تستطع أن تتعلّم منّي شيئا . أمّا بالنسبة للقارب فهناك ملك جشع يأتي ويأخذ كلّ سفينة جيّدة دون أن يدفع ثمنها . لذا ثقبته حتّى لا يأخذه الملك فيستطع صاحبه لاحقا أن يستخرجه ويصلحه .
أمّا بالنسبة للولد الذي قتلته فكان ولد مؤمنين . كان حتمه أن يكون رجلا مجرما ويسبب لأهله الكثير من الألم . أخذت حياته وهو ما يزال بريئا والله العزيز القدير سيمنح أهله مكانه عدّة أولاد صالحين ومؤمنين .
أمّا بالنسبة إلى الحائط فإنّه ينتمي إلى أطفال أيتام , تحته يوجد كنز مدفون تركهم لهم والدهم التقي . إذا وقع الحائط ولم نصلحه سيأتي أهل المدينة الجشعين ويسرقوا الكنز ولن يحصل الأولاد على شيء ."
شرح الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام الحكمة وراء أفعاله . لقد تصرّف الخضر بحكم المعرفة التي أعطاها إيّاه الله عزّ وجلّ . ولم يفلح موسى عليه السلام في الدروس والإمتحانات الثلاثة . الحكمة وراء ذلك بأنه مهما كانت مستوى معرفتك فهناك من يفوقك بالمعرفة . ومهما كان مدى المعرفة التي نصل إليها أو ممكن أن يصل إليها رسول ما لا يمكن مقارنتها بمعرفة الله عزّ وجلّ اللامتناهية .
ولاحقا عندما ذهب موسى عليه السلام إلى الجبل إنتظره يوشع عليه السلام في الأسفل . وعندما بنى الناس العجل الذهبي إعترض على عملهم وحمى هارون عليه السلام . لقد كان خادما مطيعا ومخلصا . قبل موت موسى عليه السلام أخبره الله عزّ وجل أن يوشع عليه السلام هو نبي من بعده فأخبر قومه بذلك . فهو سيكون الإنسان الذي سيقودهم إلى الأرض الذي وعدهم بها الله عزّ وجلّ .
لقد كان يوشع عليه السلام في الثانية والثمانين من عمره عندما جعله الله عزّ وجلّ نبيا . لقد قاد بني إسرائيل لمدّة ثماني وعشرين سنة ليؤسّس لهم دولة يحكمها القانون الإلهي الذي وضعهم لهم الله عزّ وجلّ في التوراة . بالرغم من تقدّمه في السنّ كان يوشع عليه السلام محاربا مقداما . فقد قاد جيشه وعبروا نهر الأردن وقضوا على الممالك هناك الواحدة تلوى الأخرى , إلى أن سيطر على الأرض الممتدّة من دمشق إلى البحر . وبعد حصار طويل إستطاعوا السيطرة على مدينة القدس .
وطّد بنو إسرائيل حكمهم في هذه الأرض . وكما نعرف فإنّ يعقوب عليه السلام كان لديه إثنا عشر ولدا :إثنين من راحيل رضي الله عنها وهم يوسف عليه السلام وبن يمين عليه السلام , وعشرة أولاد من زوجته الأولى ليه رضي الله عنها . أمر الله عزّ وجلّ أن يعطى كلّ من سلالة الأخوة أرض ومكان للسقاية . وهكذا كانت أرض بني إسرائيل منقسمة إلى إثني عشر جزء .
في بادئ الأمر سارت الأمور على أكمل وجه . فقد إحترم بني إسرائيل رسولهم وأطاعوا الله عزّ وجلّ . لقد فرح الشعب المغزو بغازيه لأنّهم كانوا عادلين وذو رحمة . لكن شيئا فشئا فسد المؤمنين بسبب تصرفات جيرانهم . فلم يعودوا يحافظوا على قانون الله عزّ وجل ّ . فبدؤوا يقامروا وينغمسوا في الملذّات ودبّ النزاع بين بعضهم البعض . لقد نسيوا المآسي التي مرّ بها أهلهم في عهد فرعون فأصبحوا أنفسهم فرعون آخر . أساؤوا معاملة الناس الذين غزوهم وكانوا يأخذوا ما يريدون دون أن يسألوا أحدهم , وهكذا أصبحوا عتاة في الأرض .
من سؤ الحال إنتقل يوشع عليه السلام إلى الجبل ليعبد الله عزّ وجلّ ويصلّي له . بالرغم من هذا كان يذهب إلى المدن بإستمرار ليذكّر الشعب بما أوصاهم به الله عزّ وجلّ, لكن فسادهم وكبرتهم أحزنت قلبه . وفي محاولة أخيرة ذكّرهم بالله عزّ وجلّ وبما أوصاهم به , ولمرّة أخيرة إستمعوا له وأخذوا يبكوا مستغفرين الله عزّ وجلّ على فعلتهم واعدين أن يسيروا على خطى ما أمرهم به الله عزّ وجلّ . توفي يوشع عليه السلام بسلام عن عمر يناهز المئة وعشرة سنوات في الجبل الذي لجأ إليه , حيث دفن هناك.
فليبارك الله يوشع عليه السلام وليمنحه السلام .