بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور لإدريس عليه السلام
شعر يراد عليه السلام بالقلق عندما أعلن الملائكة نبأ ولادة إبنه . كان يفكّر بينه وبين نفسه إذا كان بمقدرته أن يربيه تربية صالحة ويحافظ على نقاوة النور الذي ورثه من آبائه والوفاء بوعده . فقد شذّ العديد من الأولاد في وقته عن الطريق المستقيم وأصبحوا يفعلوا أشياء غير مرغوبة من الله عزّ وجل, وحتّى أنّهم نسوا الله عزّ وجلّ . فهل من المعقول تربية ولد طاهر دون أن يتلوّث بوسخ الشر الموجود في الدنيا ؟ لم يذهب القلق عن يراد عليه السلام إلاّ بعد أن رأى إبنه المولود . فقد رأى النور المحمّدي يشع من جبينه كالمنارة على شاطئ البحر .
سمّى يراد عليه السلام إبنه إدريس عليه السلام , أي المتعلّم , الذي أصبح لاحقا نبيا عظيما ورسولا إلى قومه . لقد علّم قومه , طبعا بإرادة الله , العديد من الأشياء التي هي أمرا مفروغا منها الآن . فمن الصعب جدا تخيّل العالم دون العلوم التي جلبها إدريس عليه السلام .
لقد علّم الناس كيفية إشعال النار من أجل التدفئة والطهي .
تعلّم إدريس عليه السلام من العنكبوت كيفية نسج صوف الماعز وتحويلها إلى قطع ثياب للبس . وهكذا عمل إدريس عليه السلام خيّاط لقومه .
تعلّم إدريس أن يكتب كلمة الله , وأن يقرأها مجددا , وأن يجمعها ثانية في كتاب . فأضحى إدريس عليه السلام معلّما لقومه .
لقد تعلّم أن يعدّ وأن يتتبّع الأرقام عن طريق الجمع والطرح . إضافة إلى ذلك فإنّه راقب النجوم وتعلّم تحرّكاتها وكيفية السفر بالإستعانة بهم .
لقد درس الأعشاب وأصبح بمقدرته معرفة المفيد منها والمسم . وهكذا أصبح طبيب شعبه .
بعد مضيّ 250 سنة شعرت الشعوب الكافرة بالحسد , وأرادوا أن يغزوا شعب إدريس عليه السلام ليأخذوا منهم كلّ الأشياء الجيدة التي صنعها شعب إدريس عليه السلام . ولحماية شعبه إخترع إدريس عليه السلام القوس والرمح عن طريق مراقبة شجرة التفّاح التي تقذف ثمارها . وقد شاهد أيضا كيف يذوب المعدن عندما يكون على النار للطهي , فجمعه وصنع منه السيوف والأسهم . وهكذا سلّح شعبه .
لكن شعب إدريس عليه السلام كان طيبا للغاية لدرجة أنّهم لم يريدوا أن يؤذوا حتّى أعداءهم . فكان على إدريس عليه السلام أن يعلّمهم أن الدفاع عن الخير ضد الشر والصح ضد الخطأ هو واجب مفروض من الله عزّ وجلّ .أوصاهم أن لا يبادروا بأذي أحدهم , لكن علّمهم أنّه من المفروض عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم , وإلاّ فإنّه لن يبقى واحد على الأرض يعبد الله .
ربح شعب إدريس عليه السلام المعركة . لكن سرعان ما تعلّم الأعداء كيفية صناعة القوس والرمح والسيف . فكان على إدريس عليه السلام أن يفكّر بشيء جديد لحماية شعبه .فروّض الجمل لإستعماله في المعركة . ثمّ تذكّر لاحقا القصّة التي أخبرها إيّاه أباه عن الوحش الرائع الذي رآه آدم عليه السلام خلال رحلته من سريلنكا إلى الصين ومن ثمّ إلى جزيرة العرب . وهكذا علّم إدريس عليه السلام الحصان أن يكون صديقا للإنسان .
وفي نهاية حياته الملؤها نشاط إعتزل إدريس عليه السلام الناس ليقضي ما تبقّى من حياته الأخيرة في التأمّل وعبادة الله . لقد كانت صلواته جميلة لدرجة أنّ الملائكة كانوا يأتوا من مختلف الأماكن من الكون ليجلسوا وليتعبّدوا معه . وكما نعرف فإنّ كلّ ذرّة من الكون من أصغر حبّة أرز إلى أكبر نجمة لديها ملائكتها الخاصة التي تحرثها . لكن كان إدريس عليه السلام يتمتّع أكثر شيء برفقة ملاك الشمس .
بعد أن صلّى ملائكة الشمس عدّة سنين في بيت إدريس عليه السلام طلبوا من الله عزّ وجلّ أن يسمح لهم بإصطحاب إدريس عليه السلام إلى المكان الذي كان يسكنه . قضى الملائكة وإدريس عليه السلام عدّة أيّام جميلة في هذا المكان النوراني إلى أن تمكّن عزرائيل عليه السلام أن يتسلّل إلى هذا المكان ويقبض على روح إدريس عليه السلام . شعر ملاك الشمس بالإستياء لأنّ صاحبه توفّي بينما كان بزيارته ,وطلب من الله عزّ وجلّ أن يرجع لإدريس عليه السلام روحه ليعود إلى الأرض . ردّت الروح إلى إدريس عليه السلام فطلب من رفيقه الملائكي أن يذهب به برحلة في الجنّة قبل العودة إلى الأرض .
عندما رأى إدريس عليه السلام حدائق الجنّة وشعر بقربه من الله عزّ وجلّ قرّر البقاء هناك . لم يعد بمقدور أحد فعل شيء . فإدريس عليه السلام توفّي مرّة واحدة والله عزّ وجلّ وعدنا بأنّنا لن نموت إلاّ مرّة واحدة . لقد كان فعلا في الجنّة وقد وعد الله عزّ وجلّ بأنّه كلّ من يدخل الجنّة لن يجبر من الخروج منها ثانية .
إنّ مقام النبي إدريس عليه السلام رفيع جدا . فهو ليس كباقي الرجال , فقد دخل الجنّة حيا حيث يعيش هناك , ويقول البعض إنّه خيّاط الملائكة .
فليبارك الله عزّ وجلّ بإدريس عليه السلام وليمنحه السلام .