بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى إسماعيل عليه السلام
ترك إبراهيم عليه السلام كلّ شيء وراءه , آلهة أبيه وثروته وأخذ معه فقط إمرأته ساره رضي الله عنها وبعض المؤمنين ومن ضمنهم إبن عمّه لوط عليه السلام . بدؤا جميعا برعي الغنم والماعز في المراعي الفقيرة في صحراء مصر . لكن الله عزّ وجلّ كان يزيد من ثروة إبراهيم عليه السلام بطريقة سريعة لدرجة أنّه أصبح سيدا على قطيع كبير من الغنم . في هذه الفترة تّبعه عدد كبير من المؤمنين . لقد زاد الله عزّ وجلّ من زرية المؤمنين وتكاثروا بسرعة . لكن إبراهيم عليه السلام وسارة رضي الله عنها لم يرزقهما الله أي ولد وكانا يتقدّمان في العمر .
في أحد الأيّام وبوحي من الله عزّ وجلّ طلبت سارة رضي الله عنها من زوجها أن يتزوّج من جاريتها هاجر رضي الله عنها التي قدّمها لها ملك مصر . كانت هاجر رضي الله عنها شابة وجميلة ومن أحفاد صالح عليه السلام . تأمّلت ساره رضي الله عنها أنّه بذلك يصبح لديهم أولاد فتكتمل عائلتهم .
لكن بعد زواج إبرهيم عليه السلام وهاجر رضي الله عنها دبّت الغيرة في قلب ساره رضي الله عنها . فلم تستطع ساره رضي الله عنها رؤية هاجر رضي الله عنها ,وأصبحت تحاول إيذاءها كلّما تراها , متأملّة أن تهرب . لكن الله عزّ وجلّ أخبرهاجر رضي الله عنها أن تصبر وهذا ما فعلته . إزداد غضب وغيرة ساره رضي الله عنها , فثقبت أذني وأنف هاجر رضي الله . لكن هاجر رضي الله عنها ثابرت على صبرها . صلّى إبراهيم عليه السلام لله عزّ وجلّ وطلب منه أن يمنحه صبيا , وبالمقابل هو على إستعداد ليضحّي بأكثر ما يحبّه إذا إستجاب الله عزّ وجلّ لطلبه .
أخيرا حملت هاجر رضي الله عنها وجلبت ولدا صبيا سمّوه إسماعيل عليه السلام . عندما رأت سارة رضي الله عنها أنّ النور يشعّ من جبهة هذا الطفل لم تعد تتحمّل ذلك أبدا . طلبت ساره من سيّدنا إبراهيم عليه السلام أن يأخذهم بعيد ا . كانت هاجر رضي الله عنها تريد ذاك أيضا , وأخيرا إستجاب الله عزّ وجلّ لطلبها .
طلب ملاك من إبراهيم عليه السلام أن يضع هاجر رضي الله عنها وإبنه إسماعيل عليه السلام على جمل وأن يأخذهم إلى الصحراء , وأن يتركهم في المكان الذي يتوقّف فيه الجمل . توقف الجمل في مكان مقفر وصخري ودون ميا ه في صحراء تهامه . أطاع إبراهيم عليه السلام ربّه , فقبّل زوجته والطفل وتركهم في مكان لا يوجد فيه شيء حيّ .
إقتاتت هاجر عليها السلام وطفلها من الزاد الموجود معها . لكن بعد بضعة أيّام فرغ الطعام وأصبحت هاجر عليها السلام في غاية العصبية . فإسماعيل عليه السلام كان يبكي . فأخذت هاجر تركض وتصعد على هضبتين , الصفا والمروة ,علّها تجد شيئا ليأكلوه أو يشربوه .
ركضت هاجر رضي الله عنها بين الصفا والمروة ستة مرات وفي المرّة السابعة رأت إسماعيل عليه السلام مزرقّ الوجه ويركل الأرض بكعب رجله اليمنى الصغيرة . وفجأة بدت الأرض التي ركلها برجله مسودّة اللون ومرطّبة . أزالت هاجر رضي الله عنها التراب جانبا وإذا بماء عذبة تخرج منها .
سمعت هاجر عليها السلام صوتا آت من الماء يقول "هذه زمزم , إذا عطشت فإشربي منها , وإذا جعت فإشربي منها وستشبعي , وإذا كنت مريضة إشربي منها وستشفي" . . شربت هاجر رضي الله عنها وسقت إسماعيل عليه السلام .
سكن الإثنين بجانب زمزم لمدّة من الزمن . في يوم من الأيّام ضلّت قافلة طريقها ومرّ وا بالقرب منهما . شرب الناس من هذه المياه وشفيوا , فقرّروا أن يسكنوا بجانب ذلك النبع المعجزة برفقة الأم المتواضعة والطفل الجميل الذي كان يشع النور من جبينه الجميل . مع الوقت أصبح في هذا المكان قرية ودعيت بمكّة . وكان إبراهيم عليه السلام يزورهما مرّة كلّ سنة .
لكن إبراهيم عليه السلام وعد الله عزّ وجلّ أن يضحّي بأغلى ما عنده . في أحد الليالي حلم إبراهيم عليه السلام بأنّ الضحية هو إسماعيل عليه السلام . جاء الحلم لإبراهيم عليه السلام سبعين مرةّ , وفي التسعة والستين مرّة حاول إبراهيم عليه السلام أن يضحّي بشيء آخر خاروف ,جمل , حصان أو أيّ شيء آخر . ولكن بعد الحلم السبعين حمل إبراهيم عليه السلام سكّينه والحبل وذهب إلى بيت هاجر رضي الله عنها .
طلب إبراهيم عليه السلام من إبنه إسماعيل عليه السلام أن يذهب معه بنزهة . ذهب الإثنين إلى وادي ميناء ومنه إلى سهل عرفة , وكان إسماعيل يقفز فرحا بجانب والده . حاول الشيطان ثلاث مرّات أن يخبر إسماعيل عليه السلام أنّ والده يريد قتله . لكن إسماعيل عليه السلام طلب ثلاث مرّات من الشيطان أن يذهب لأنّه يثق بأنّ والده يفعل ما يأمره به الله عزّ وجلّ .
وصل الإثنين إلى صخرة كبيرة وأخبر إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام عن حلمه . فقال الصبي الصغير لوالده :" يا والدي إربط يديّ حتّى لا أدافع عن نفسي , وغطّي وجهي حتّى لا نستطع أن نرى بعضنا البعض , ودر وجهي حتّى لا ينفطر قلبك بينما تنظر إليّ ." حضّر إبراهيم عليه السلام كلّ شيء لذبح إبنه . حاول إبراهيم عليه السلام سبعين مرّة أن يذبح إبنه ولكن السكّينة لم تكن تذبح الولد .
أخيرا أرسل الله عزّ وجلّ عجلا من السماء ليذبحه إبراهيم عليه السلام بدلا من إبنه إسماعيل عليه السلام . وهكذا حافظ إبراهيم عليه السلام على عهده . لم يختبر أحد من الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام إختبارا بهذه الشدّة . لقد ذكّرنا الله عزّ وجلّ بعيد الأضحى وذبح الأضحية فيه , بطاعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأمر الله عزّ وجلّ .
بعدها أعطي إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام تعليمات من الله عزّ وجلّ لبناء بيت الله على الأرض . هذا البيت هو إنعكاس للبيت المقدّس في الجنّة . دعي البيت بالكعبة , وقد وضع لأوّل مرّة على الأرض في زمن آدم عليه السلام , لكنّه دمّر في وقت فيضان نوح عليه السلام .
أراهم جبريل عليه السلام بجناحه البقعة التي يجب أن يبنوا عليها الكعبة , وجلب لهم الحجر الأسود ليضعوه في الزاوية . لقد كان هذا الحجر أبيضا عندما أرسل من الجنّة , وقد تحوّل إلى أسود من خطايا البشر . فهو القطعة الوحيدة المتبقّية على الأرض بعض فيضان سيّدنا نوح عليه السلام وقد تمّ الإحتفاظ بها في جبل قبيس . وقد كرّم جبل قبيس عن طريق بناء الكعبة من حجارة هذا الجبل .
عندما إكتمل بناء بيت الكعبة علّم إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام كيفية إدّاء مراسيم الحجّ . ثمّ نادى إبراهيم عليه السلام من كلّ زاوية من الكعبة ,عن طريق دعوة الأرواح الغير مرئية من المستقبل للقيام بالحجّ . حتىّ هذا الوقت مازال الحجّاج يستجيبوا لنداء إبراهيم عليه السلام . فهم يأتوا من كلّ زاوية من الأرض ينشدون " لبّيك اللهم لبيك لبّيك لا شريك لك لبّيك "
أصبح إسماعيل عليه السلام رجلا وتزوّج فتاة مؤمنة من أولئك الذين سكنوا قرب زمزم . لقد رزقوا بأولاد وأحفاد مؤمنين لكن أي منهم لم يكن مقدّر له أن ينقل النور المحمّدي . ولكن بعد عدّة سنين وفي الكعبة وقرب زمزم, حمل النور المحمّدي أحد أبناء أحفاد إسماعيل عليه السلام .
فليبارك الله عزّ وجلّ إسماعيل عليه السلام وليمنحه السلام .