بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى ذو القرنين عليه السلام
أعطي لقب ذو القرنين عليه السلام في القرآن الكريم إلى الإسكندر الكبير . ذو القرنين تعني ذاك الذي لديه قرنين . لكن كما هي الحال مع لقمان الحكيم إختلف الناس بتحديد هوية ذو القرنين عليه السلام . فمنهم من قال بأنّه كان رسولا أم الآخرين فلا . لا يعرف ذلك سوى الله عزّ وجلّ .
يقول البعض بأنّ الإسكندر عليه السلام سمّي بذو القرنين لأنّه كان يرتدي قبّعة يوجد عليها قرنين . وبعضهم الآخر يقول لأنّه حكم العالم من الشرق إلى الغرب " الشرق يمثّله قرن , والغرب يمثّله قرن آخر " . وآخرين قالوا بأنّه منح حيازة العالمين المادي والروحي . لقد كان الإسكندر ذو القرنين عليه السلام نبي وملك , قدّيس , ومحارب . وآخر الأنبياء النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم سوف يعطى حيازة المملكتين الروحية والدنيوية . لقد وصف الله عزّ وجلّ مقام سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم على أنّه قاب قوسين أو أدنى من عرش الله عزّ وجلّ , ونهاية كلّ قوس يدعى بالقرن .
ولد الإسكندر الكبير عليه السلام كإبن للملك فيليب ملك مقدونيا . أحبّه والده كثيرا وأحاطه بأفضل العلماء والمعلّمين في المملكة . كان أرسطو معلّمه الأساسي . عندما أصبح في العشرين من عمره توفي والده فورث الإسكندر عليه السلام العرش .أول ما فعله الإسكندر عليه السلام بأنّه جمع جيش كبير ووحّد الدول المتحاربة في مملكته مقدونيا . ففي بعض الأوقات لا بدّ من إستعمال القوّة لإحلال السلام . ثم إنتقل إلى الشرق ووحّد تركيا بأكملها .
كان الإسكندر عليه السلام يملك جيشا كبيرا لكنّه لم يكن بحاجة إليه للمحاربة , لأنّه كان مرحبا به لحكمه بيد خفيفة . لقد كان يبقى على الحكّام الأصليين إذا كانوا عادلين , ويفرض ضريبة بحدود معقولة ويترك الشعوب تحكم نفسها بنفسها. لذلك إستقبله الحكماء بينما حاربه الطغاة , وبقدرة الله عزّ وجلّ كانوا يصابوا بهزيمة فادحة .
سمع المصريون بالإسكندر عليه السلام وطلبوا منه أن يساعدهم ضد هجوم أكلة البشر . بذكائه , أرعب أكلة لحوم البشر وأنقذ مصر . وهكذا أصبحت مصر جزء من أمبراطوريته .
ثمّ ذهب الإسكندر عليه السلام إلى الشرق ليواجه أكبر أمبراطورية في ذلك الوقت مملكة الفرس بقيادة ملكها داريوس . حاول الإسكندر عليه السلام إقناع داريوس بالإستسلام له , لكنّه قرّر القتال بالرغم من نصيحة حكماء مملكته بالتسليم له . خسر داريوس عدّة معارك إلى أن أضطرّ إلى الفرار من بلده . تآمر عليه بعض الضباط في الجيش وقتلوه طمعا بمركز للقيادة من الإسكندر عليه السلام . كان الإسكندر عليه السلام يكره الخيانة فعاقب الضبّاط ودفن الملك داريوس بطريقة تليق الملوك . تزوّج الإسكندر الكبير عليه السلام من إبنة درايوس التي تركت الحكم لعائلتها .
كان الإسكندر الكبير يسافر مع حشد كبير من الحكماء , والأولياء والفلاسفة والعرّافين , ويأخذ برأيهم قبل أن يتّخذ أيّ قرار . وكان يفتّش في كلّ بلد جديد عن الحكماء ليتعلّم منهم ويأخذ بنصيحتهم . بسبب إيمانه بالله الواحد الأحد كان يقضي ليله في التأمّل والعبادة .فهمّه أن يتعلّم ما الحكمة من وراء الأشياء الموجودة في هذا الوجود .كان الإسكندر عليه السلام يبقى بضعة أشهر في المكان الذي يصل إليه ثمّ ينتقل إلى مكان آخر . وهكذا يكون قد تعرّف على العالم من اليونان إلى الصين . وهذا ما أوصى به النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيما بعد " أطلب العلم ولو في الصين" . وهذا ما فعله الإسكندر ذو القرنين عليه السلام .
إنّ فضوله وحبّه للتفتيش عن الحكمة دفعت الإسكندر عليه السلام إلى توحيد العالم من الشرق إلى الغرب بسلام وبنجاح . كان الناس تحت حكمه أحرار ليسافروا أينما يشاؤوا وأحرار لتبادل البضائع والأفكار . لقد كان من أعظم الأباطرة الذين حكموا العالم والذين عايشوا العديد من المغامرات التي لايمكننا قصّها بأكملها .
في رحلتاه تعرّف على أناس كانوا يعيشوا ألف سنة وآخرين يعيشون في الثلج دون لباس أو مأوى . وقابل ملكة مملكة ملؤها النساء وذهب إلى بلاد لا تستطع الشمس فيها . لقد رأى بحيرات من الزئبق وسهول من الفضّة . وقد رأى وديان مملوؤة بالماس .
في أحد رحلاته وصل إلى مدينة على سفح الجبل . طلب منه أهلها أن يساعدهم على قبيلتين يأجوج ومأجوج اللتان تعيشان على الجهة الأخرى من الجبل . لقد كان أفراد أحد القبائل أقزام وأفراد القبيلة الأخرى عمالقة وكانواأقوياء وأنيابهم حادة مثل الخنازير . أمّا آذانهم فكانت كبيرة جدا لدرجة أنّه بإمكانهم أن يلفّوها كوسادة أمّا الأذن الثانية فكانت تستعمل كغطاء لهم . وكان الشعر يغطّيهم من الرأس إلى القدم وبحالة جوع مستمر .
أمر الإسكندر عليه السلام الناس أن يملؤوا ممرات الجبل العليا بكلّ قطعة حديد ممكن أن يجدوها . ثمّ أشعلت نار كبيرة أذابت الحديد وتحوّل الحديد إلى سدّ من حديد لا يمكن كسره أو تسلّقه . هذا السد سيسجن يأجوج ومأجوج إلى نهاية الوقت . في آخر الزمان سيخرق يأجوج ومأجوج هذا السد بإذن الله عزّ وجلّ وسيدمّروا الأرض ويشربوا جميع الأنهار ويأكلوا كلّ ما يقع تحت أعينهم لمدّة ثلاث سنين , ثمّ سيقضى عليهم وترمي جثثهم في البحر .
ثمّ ذهب ذو القرنين عليه السلام إلى ضفاف البحر الأسود . لقد أخبره أناس أنّه عند نهاية البحر نبع من يشرب منه يعيش إلى الأبد . ذهب بصحبة الإسكندر عليه السلام رجلين الخضر عليه السلام والياس عليه السلام . في نقطة معيّنة تفرّقوا . وجد الخضر عليه السلام والياس عليه السلام النبع وشربا منه . ولكن بأمر من الله عزّ وجلّ لم يجد الإسكندر عليه السلام النبع . وهكذا أصبح الخضر عليه السلام ومنذ ذلك الوقت يتمتّع بالقدرة على أن يكون غير مرئي , لكنّه مازال يساهم في خدمة الله عزّ وجلّ ويكون مرشدا للذين إختارهم الله عزّ وجلّ . وهكذا يحمي الخضر عليه السلام الناس على الأرض والياس عليه السلام يحمي أولئك في البحر .
إستمر ذو القرنين عليه السلام في سفره إلى أن إنتابه حنين إلى الوطن . في طريقه إلى وطنه مات قبل أن يصل إلى هناك وهو في الثلاث والثلاثون من عمره . وبينما كان على فراش الموت سئل الإسكندر ذو القرنين عليه السلام من يحب أكثر والده أو معلّمه , فأجاب أحبّ معلّمي أكثر . فوالدي هو سبب قدومي بمركز عال إلى الأرض ولكن معلّمي هو سبب تركي هذا المقام العالي إلى مقام أعلى في الحياة الأخرى .
طلب ذو القرنين عليه السلام بأنّه عندما يموت أن تضع يداه خارج الكفن , في أحدهما طابة ذهبية وأمّا اليد الأخرى أمر أن تبقى مفتوحة وخالية . وطلب من أتباعه أن يمرّروا جسده في جميع أنحاء المملكة حتّى يتعلّم الناس أنّ الإسكندر عليه السلام وعظمته الذي حمل العالم في يده ترك العالم بيد فارغة .
فليبارك الله عزّ وجلّ بذو القرنين عليه السلام وليمنحه السلام