بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى عيسى عليه السلام
علّم ذكريا عليه السلام مريم رضي الله عنها وعزلها في المعبد عن بقيّة الأطفال لأنّها كانت البنت الوحيدة هناك . عندما لاحظ ذكريا عليه السلام بأنّ الله عزّ وجلّ تكلّم معها عرف بأنّها تعلّمت ما يجب معرفته جيدا. فكانت تعتمد كليا على الله عزّ وجلّ وكان إيمانها قوي لدرجة أنّها كانت تعتقد بأنّ كلّ شيء يأتي مباشرة أو غير مباشرة من الله عزّ وجلّ . فهو المصدر الوحيد لكلّ شيء .
في يوم من الأيّام , وبينما كانت لوحدها في المحراب , رأت رجلا في غرفتها فأصيبت بالذعر . أخبرها الرجل بأنّه الملاك جبريل عليه السلام وبأنّه قادم ليخبرها بأن الله عزّ وجلّ قد إختارها لتكون سيّدة نساء العالمين . فهي ستنجب طفلا وسيكون نبيا عظيما . تفاجأة مريم مما سمعت فكيف يتسنّى لها أن تجلب طفلا وهي لم تتزوج ولم تعرف رجل آخر غير عمّها ذكريا عليه السلام . لكن جبريل عليه السلام ذكّرها بأنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم عليه السلام دون أب أو أم , وطفلها سيكون دون أب فقط , وإسمه عيسى عليه السلام , المسيح إبن مريم رضي الله عنها .
حملت مريم رضي الله عنها بطفلها تسعة أشهر وكانت تسمعه كيف يسبّح الله عزّ وجلّ وهو مازال في بطنها . عندما حان موعد الولادة خرجت من المدينة وولدت مرزوقها وهي متكّأة على جزع شجرة نخل جاف . أخذت مريم رضي الله عنها تصرخ من شدّة الوجع فجاءها صوت ليواسيها ,وأرسل الله عزّ وجلّ من تحتها ساقية ماء , وعادت الحياة إلى شجرة النخيل التي إنحنت لتطعمها . غسلت مريم رضي الله عنها طفلها في الساقية وحملته وعادت به إلى أهلها . أمرها الله عزّ وجلّ أن لا تتكلّم مع أحد وأن تدع الطفل يتكلّم عنها .
ذعر الناس والكهنة لرؤية مريم رضي الله عنها وعلى يدها طفل ,وأخذوا يتساءلون عن فعلتها . فبدأت تنتابهم أفكار سيئة عنها فكيف لها أن تلد طفلا ولم تكن متزوّجة . لم تجب مريم رضي الله عنها عن أسئلتهم وأشارت إلى الطفل الذي أجاب بدوره . فقال " إنّي عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلواة والزكواة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيا والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " ( مريم , 29 , 30 , 31 , 32 , 33 ) .
إقتنع الكهنة لمدّة قصيرة , ولكن بعد فترة وجيزة نسوا المعجزات ورفضوا كلّ ما سمعوه أو رأوه . فإتّهموا زكريا عليه السلام بأنّه إنسان منحرف وأمروه بالهرب وإلا سيقتل . لم يؤمن بالمعجزة التي جاءت به مريم رضي الله عنه سوى رجل يخدم المعبد كان يدعى يوسف رضي الله عنه لذا تزوّجها ليحميها ويحمي طفلها المبارك .
سمع ملك القدس بمعجزة ولادة عيسى عليه السلام وخاف لأنّه كان مقدّر أن يحلّ عيسى عليه السلام مكانه . فقرّر قتل جميع الأطفال الصغار في ذلك الوقت . هربت مريم رضي الله عنها ويوسف رضي الله عنه إلى مصر حيث عاشا هناك بهناء لمدّة إثنا عشر عام .
بعدها عادا إلى القدس وتابع عيسى عليه السلام علومه في المعبد . بالإضافة إلى ذلك فقد علّم الإنجيل الكتاب الذي أعطاه إيّاه الله عزّ وجلّ قبل أن يأتي إلى هذه الدنيا . تعلّم يحي عليه السلام مع عيسى عليه السلام وكان أول من إعترف به كنبي . بينما كان يحيا عليه السلام حزين ويخاف من نار جهنّم كان عيسى عليه السلام مرحا ويتأمّل دائما بالجنّة .
أعطى الله عزّ وجلّ المسيح عليه السلام قدرة القيام بالمعجزات . ففي أحد الأيّام عندما كان طفلا صغيرا يلعب بالوحل مع أصدقائه تحدّاه أصدقائه إذا كان بقدرته تحويل ما يصنعه من الوحل إلى كائن حيّ . صاغ عيسى عليه السلام شكل طائر مشوّه ونفخ فيه , وبقدرة الله عزّ وجلّ طار الطائر . وهذا هو أصل الوطواط , مخلوق غريب الشكل , يتهيأ للناظر عند رؤيته وكأنّه صنع على يد طفل .
كان بإستطاعة عيسى عليه السلام أن يشفي الأعمى والأبرص , ويعيد الحياة إلى الأموات . لكن ما حرّك مشاعر الإستياء منه عند الكهنة والعلماء أمرين . أولا : أنّهم علموا بأنّه جلب كتاب جديد غيّر فيه القوانين ليجعلها أسهل للإنسان العادي إتّباعها . وثانيا : أنّه أعلن قدوم رسول من بعده إسمه أحمد ( محمّد صلّى الله عليه وسلّم ) . لم يقبل الكهنة بذلك وأجبروه بترك المعبد .
لكن ثمّة إثنا عشر رجل آمنوا بعيسى عليه السلام وكرّسوا حياتهم لمساعدته في مهمّته . وهؤلاء هم الحواريون ( أولئك الذين يبيّضوا ما إسودّ من الشيء ) الذين إتّبعوا عيسى عليه السلام وتنقّلوا من قرية لأخرى يعلّموا ما علّموا .
في إحد القرى , طلب أهلها من عيسى عليه السلام أن يأتي لهم بمائدة من السماء . حذّرهم عيسى عليه السلام من عواقب طلب المعجزات . فكلّ من لا يؤمن بالرغم من رؤية المعجزة سوف يعاقب . بالرغم من ذلك طالب الناس بالمعجزة , فصلّى عيسى عليه السلام لله عزّ وجلّ ليبعث مائدة من عنده . فجأة رؤوا شيئا محاطا بغيمة ينزل من السماء. كانت طاولة عليها من ما لذّ وطاب من السمك المشوي والخبز والسلطة , والزبدة , والعسل , والزيتون , والكريما وصحون صغيرة من الملح . أكل الجمع أفواجا أفواجا من تلك المائدة الصغيرة إلى أن شبع الجميع . إستمرّ الناس في الأكل من تلك المائدة لمدّة ثلاثة أيّام متتالية ولم ينقص بأيّ حال من الأحوال من كميّة الطعام الموجود على المائدة . فكلّ من أكل من هذه المائدة أحسّ من بعدها بأنّه يتمتّع إمّا , بصحّة أفضل أو بحكمة أكثر أو بغنى أكثر بطريقة أو بأخرى .
بعد ثلاثة أيّام رجعت المائدة إلى السماء وآمن العديد من الناس من بعدها . أمّا الذين لم يؤمنوا فقد تحوّلوا إلى خنازير وسعادين وذهبوا نحو الهضاب المجاورة , ولم يسمع عنهم أحد فيما بعد.
كان شعر عيسى عليه السلام طويلا ووجنتاه بيض متورّدتان . كان يلبس الثياب الخشنة من الصوف ويمشي حافي القدمين ولم يكن يرتدي الذهب أو الفضّة ويأكل قليلا . وكان لطيفا جدا ولم يكن يهمّه أيّ شيء مادي في هذه الدنيا .
بعد مرور عدّة سنين خاف الكهنة الفاسدين والحكّام من قيام ثورة ضدّهم , فقرّروا التخلّص من السبب وهو النبي عيسى عليه السلام . فغاروا على المكان الذي يقطن به وإحتجزوا رجلا يشبهه , بعد أن بعث الله عزّ وجلّ بجبريل عليه السلام إلى عيسى عليه السلام ونقله ليعيش في الجنّة . أمرت المحكمة بقتل الرجل وحكم بالإعدام . إعتقد الجميع بأنّ الذي مات هو عيسى عليه السلام حتّى أمّه إعتقدت بذلك . بكى الجميع لهذه الخسارة . لكن بعد ثمانية أيّام سمح الله عزّ وجلّ لعيسى عليه السلام أن يعود ولو لمدّة قصيرة ليخبر الجميع بأنّه بأمان في جنان الله عزّ وجلّ , وأمرهم أن يجولوا في البلاد ويعلّموا الإنجيل .
في آخر الزمان سينزل عيسى عليه السلام من السماء إلى مئذنة دمشق مدعوما بالملائكة من جميع الجهات, وسيقود قوى الخير ضدّ قوى الشر وسينتصر عليهم . ثمّ سيحكم لمدّة أربعين سنة وسيعمّ الفرح والسلام خلالهم . سيعيش المسيح عليه السلام في المدينة المنوّرة وسيدفن بجانب قبر الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم .
فليبارك الله عزّ وجلّ بعيسى عليه السلام وأمّه مريم رضي الله عنها وليمنحهما السلام .