بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور إلى لوط عليه السلام
عندما ترك إبراهيم عليه السلام أهله أخذ معه زوجته , بعض المؤمنين وإبن أخيه لوط عليه السلا م . فقد تركوا الكفّار وذهبوا إلى الصحراء ليتعبّدوا ربّهم , مؤمنين بأنّ الله عزّ وجلّ سيحفظهم من كلّ مكروه . وفعلا فإنّ عناية الله عزّ وجلّ قد أمّنت لهم على الصعيد المادي وفرة من الرزق والذرية , وعلى الصعيد الروحي قوّة ومتانة في الإيمان .
في يوم من الأيّام لاحظ إبراهيم عليه السلام تغيير كبير على وجه لوط عليه السلام . فقد كان يشعّ من جبهته نور تنتعش له القلوب . سأل إبراهيم عليه السلام لوط عليه السلام عن سرّ هذا التغيير , فأخبره لوط عليه السلام أنّ جبريل عليه السلام قد زاره في الليلة التي مضت وقال له بأنّ الله عزّ وجلّ قد إختاره ليكون واحدا من أنبيائه .
كان الرسل في ذلك الوقت يبعثوا إلى قوم ليعلّموهم شيء ما . وقد أمر لوط عليه السلام أن يترك عمّه إبراهيم عليه السلام وأن يسافر شمالا إلى منطقة قريبة من المدن الثلاثة , القريبين من بيت لحم .
كان الناس في هذه المدن في غاية الجهل وملؤهم الظلمة على قدر ما كان لوط عليه السلام ملؤه النور والإيمان .كان الرجال يفضّلوا أن يقوموا بعلاقات مع الرجال على أن يتزوّجوا النساء . فقد تركوا النساء غير متزوّجات ولحقوا الصبيان . وهكذا كانوا يحبّوا ما يكرهه الله عزّ وجلّ , ويكرهوا ما يحبّه الله عزّ وجلّ . لذا لم يكن من قبل شعب ضائع مثل ذاك الشعب الذي كانت أعرافه مقلوبة رأسا على عقب .
سافر لوط عليه السلام إلى هناك دون أن يرافقه قريب أو ولد أو حتّى زوجة . تزوّج لوط عليه السلام أحد بناتهم وبنى بيتا لهما وعمل في الحقول . كان لوط عليه السلام أفضل زوج وأفضل جار موجود في المدينة . رزق لوط عليه السلام أربعة بنات جميلات . لكنّ الناس حوله لم يتعلّموا منه شيئا . حتّى زوجته لم تؤمن برسالته .
لم يستمع القوم للوط عليه السلام وإستمرّوا بأعمالهم المؤذية بالرغم من كلّ ما سمعوه ورؤوه منه . لقد كان لوط عليه السلام يزور عمّه إبراهيم عليه السلام وكان عمّه يرفع من معنوياته حتّى لا ييأس وليستمر في رسالته .
في أحد الأيّام قدم ثلاثة رجال إلى لوط عليه السلام . كان الرجال ملائكة أرسلهم الله عزّ وجلّ , وقد زاروا عمّه سيّدنا إبراهيم عليه السلام قبل القدوم إليه . لكن الرجال كانوا بالنسبة للوط عليه السلام مجرّد مسافيرين أضلّوا الطريق ودون حماية . خاف لوط رعليه السلام على الرجال لأنّه ممكن أن يتعرّضوا للسرقة والحبس إذا عرف قومه بوجودهم , وهو ضعيف لا يستطع حمايتهم .
خبّأ لوط عليه السلام الرجال ليلا في البيت , لكن إمرأته فشت بسرّ وجودهم . إجتمع القوم خارج بيت لوط عليه السلام وأخذوا يطرقوا على بابه مطالبينه بتسليم الرجال لهم .
ترجّى لوط عليه السلام قومه أن يتركوا الرجال بسلام , وعرض عليهم أن يزوّجهم أحد بناته . لكنهم ضحكوا من إقتراح لوط عليه السلام وأصرّوا على أخذ الرجال ولو إضطرّوا لذلك عنوة .
أخبر الرجال الثلاثة لوط عليه السلام بأنّهم ملائكة وبأنّ الله عزّ وجلّ أرسلهم ليعاقبوا هذه المدن . لذا أمروا لوط عليه السلام أن يجمع عائلته والمؤمنين برسالته وأن يخرجوا من المدن دون النظر إلى الوراء أثناء خروجهم . فغضب الله عزّ وجلّ قد حلّ على هذه المدن .
فعل لوط عليه السلام ما أمر به , وعندما وصلوا إلى أعلى الهضبة سمعوا صوتا مرعبا , وملأ الدخان الجو بأكلمه . نظرت إمرأة لوط عليه السلام إلى الوراء لترى ما حصل وإذا بجمرة من السماء تقع على رأسها وتحوّلها إلى حجر . أسرع المؤمنين ليهربوا من الغضب الآتي .
أمطر الله عزّ وجلّ جمرا من السماء على الناس . كان مكتوب على كلّ جمرة إسم الإنسان الذي ستطاله . إحمرّت السماء لدرجة أنّها أصبحت مخبأة من كثرة الدخان . وهكذا قذف الكفّار بالجمرات المكتوب إسمهم عليها وعانوا عذابا عظيما . قلب الملائكة المدينة رأسا على عقب ودفنوا الناس في حفرة تحت التراب . لقد كانت الحفرة التي ألقي فيها الناس مملؤة بالماء .أمّا صخورجهنّم فقد ذابت في هذه الماء لتجعل منها بحرا مالحا لا يستطع أيّ كائن العيش فيه . إسم هذا البحرهو البحر الميّت . ومازال حتّى هذا اليوم لا حياة فيه لأنّه كان مكانا لعذاب الله عزّ وجلّ .
إنّ الله عزّ وجلّ لا يدمّر شعب ما لمجرّد شعوره بالغضب منهم . حتّى عقابه ينبع من محبّته لهم . فإذا لم يتعلّم الناس من الكلام والأمثلة فعليهم أن يتعلّموامن خلال الأدب والعقاب . وحتّى لو تعلّموا في آخر رمق من حياتهم فإنّهم يعيشوا حياة أبدية جميلة .
ترك لوط عليه السلام وبناته وبعض المؤمنين المدينة وإلتحقوا بمؤمنين آخرين وعاشوا حياتهم بشكر وسلام .
فليبارك الله عزّ وجلّ لوط عليه السلام وليمنحه السلام .