شمس الشموس
  صالح عليه السلام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنتقل النور إلى صالح عليه السلام

بعد مرور مئتي عام على قصّة قوم عاد إنتقل  جماعة من ذريتهم إلى شمال الجزيرة العربية  . كان قائدهم يدعى ثمود , وكانوا أقوياء وظالمين كأجدادهم . فلبناء قريتهم  سطو على قرية مسالمة كانت تقدّم الطعام  والشراب للقوافل التي تمر بها . فعمدوا إلى قتل رجال هذه القرية وأخذوا نساءهم سبايا وعاشوا في بيوتهم .عندما إستقرّوا في القرية  قتلوا القوافل المارة بهم  وسرقوا أصحابها . وهكذا أصبح ثمود قويا وغنيا عن طريق القتل والسرقة .

ولد لأحد رؤساء القبيلة من قوم ثمود ولد من سلالة النبي هود عليه السلام . كان يشع  النورمن جبهته  لدرجة أنّه حتّى الذين نسوا الحقيقة إستطاعوا أن يروا هذا النور الساطع  . فالنور سطع من جبهته  كالشمس التي تشقّ الصخور لتخرج أشعتّها منها . سمّي الولد صالح عليه السلام لأنّه كان مختلفا عن  أفراد قبيلته . فقد كان لطيفا ومستقيا .

أصبح صالح عليه السلام يتيما وهو لم يزل طفلا صغيرا . بالرغم من أنّه ترعرع وربّي ليكون رئيسا للقبيلة  لكنّ لاحظ قومه بأنّه يختلف عنهم . فهو , مثل هود عليه السلام ,كان يشعر بالسعادة عندما كان يجلس مع العبيد وليس عندما كان يجلس مع أقاربه الكسالى الفظّي القلوب . فصالح عليه السلام كان يجد قيمة الإنسان بقدر طيبة قلبه وليس بقدر كبر ثروته أو عظمة قوّته .

عندما بلغ صالح عليه السلام الأربعين من عمره ظهر عليه جبريل عليه السلام من خلال ضباب كثيف, وأخبره بأنّه نبي الله عزّ وجلّ . طلب جبريل عليه السلام  منه أن يعلّم الناس عبادة الله عزّ وجلّ وأن يريهم الطريق القويم .

ذعر قوم ثمود عندما رؤا بأن ملكهم المستقبلي  يعيش بين الفقراء ويصادق العبيد . لذا إتّهموه بالجنون لأنّه إستغني عن ثروته وجاهه من أجل إعلاء كلمة الله عزّ وجلّ .تبع العديد من العبيد والفقراء صالح عليه السلام , ولكن الكثير من قومه ثاروا عليه . بنى صالح عليه السلام جامع على قمّة جبل ليصلّي  وأتباعه فيه بسلام .

 في أحد الإحتفالات السنوية تجمّع صالح عليه السلام  مع عدد من المؤمنين  في الحفل وبدأ بإلقاء خطاب بين الحضور .أخبرهم عن ربّهم الذي خلقهم من نوره والذي يحبّهم والذي أرسله رسولا لهم ليعلّمهم الطريق الصحيح . إستمع له الناس وبدؤا يشعروا بأنّ ما يقوله حق . فخطابه كان في غاية الجمال لدرجة أن الناس الذين نسوا الحقيقة بدؤا يتذكروها ثانية .

لكن كان هناك تسعة رجال أشرار من ثمود . طلب أحدهم من صالح عليه السلام أن يظهر لهم معجزة ليؤمنوا بنبوّته . ولكن لم يكن ذلك بالفكرة الجيّدة . لأنّه عندما يطلب أحدهم معجزة من الله عزّ وجلّ عليه أن يؤمن مباشرة في حال حدوث المعجزة . وإذا لم يفعل ذلك يحلّ به عذاب أليم . وبعد جدال طويل قبل صالح عليه السلام أن يقوم بمعجزة أمام قومه .

كان الجمل أثمن ما يمكن إمتلاكه في قبيلة ثمود , والأغنياء هم الوحيدون القادرون على إمتلاكه . فالناقة بإمكانها أن تلد العديد من الأطفال وأن تعطي الحليب الحلو الطعم . طلب قوم ثمود من الله عزّ وجلّ أن يخرج لهم ناقة من صخرة لا قيمة لها بجانب المكان الذي كانوا يجتمعوا به .

صلّى صالح عليه السلام لربّه  فإستجاب له الله عزّ وجلّ . فجأة خرج من الصخرة ناقة حمراء اللون , حامل وثديها مملؤتين بالحليب . بهر الناس من ذلك المنظر . لكن الناس الأشرار إتّهموا صالح عليه السلام بأنّه قام بحيلة ليخدعهم . إستمع الناس لقول الرجال الأشرار وأعرضوا عن صالح عليه السلام .

أعطى الله عزّ وجلّ قوم ثمود عليه السلام فرصة أخرى . فالله عزّ وجلّ قال لصالح عليه السلام بأنّه سيسامح شعب ثمود إذا دعوا الناقة تأكل وتشرب بحرّية دون أن يزعجوها . أطاع شعب ثمود أمر الله عزّ وجلّ لفترة قصيرة . ولدت الناقة طفلا ودرّت الكثير من الحليب لدرجة أنّ الفقراء والجياع إستطاعوا أن يروا عطشهم من حليبها . بدأ الأغنياء بالتذمّر لأنّ الناقة تشرب ماءهم وتأكل عشبهم, ولأنّ كلّ ما تدرّه من حليب يذهب للفقراء والأناس الذي لا قيمة لهم . لذا لم يعودوا يتحمّلوها .

قرّر الرجال التسعة الأشرار أن يضعوا حدا لهذه المشكلة . فقرّروا أن يقتلوا صالح عليه السلام وجميع المؤمنين بينما هم نيام في أسرّتهم , ثمّ  يقطعوا أرجل الناقة  حتّى تموت من الجوع .

جمع صالح عليه السلام أصحابه في الجامع وبأمر من الله عزّ وجلّ جعلهم يمكثوا فيه ليؤدوا الصلوات والأذكار . لم يجد الرجال الأشرار المؤمنين في أسرّتهم ولم يستطيعوا أن يقتلوا أيّ منهم . لكنّهم وجدوا الناقة الأم فقتلوها لكنّهم لم يستطيعوا إيجاد طفلها . لقد حمى الله عزّ وجلّ طفلها وأمر الصخرة التي خرجت منها الأم أن تفتح ثانية ليتمكّن الطفل من دخولها , ثمّ أغلقت ثانية دون أن تترك أيّ أثر .

أمر الله عزّ وجلّ صالح عليه السلام أن يأخذ المؤمنين وأن يغادروا البلد الذي تسكن فيه ثمود . فرح قوم ثمود لإعتقادهم بأنّهم إنتصروا على صالح عليه السلام وقومه . فرقصوا وشربوا طوال الليل إحتفالا بنصرهم .

إستفاق قوم ثمود في الصباح الباكر ودهشوا لرؤية وجوههم محمرّة اللون . في اليوم التالي تحوّلت وجوههم صفراء كالزعفران , وفي اليوم الثالث أصبح لون وجوههم أسود . دبّ الذعر بقوم ثمود . عندما طلعت شمس اليوم الرابع صرخ جبريل عليه السلام صرخة جعلت الأرض ترتجّ تحت أرجلهم  . تبعثر قوم ثمود  لمدّة ثلاثة أيّام فوق سطح الأرض كالقشّة التي تحملها مياه البحر الهائج . ثمّ أمطرت السماء نارا وتساقطت الجبال في الوادي . وفي اليوم السابع وعند بزوغ الشمس لم يبقى أيّ أثر لأيّ بيت من بيوت ثمود أو لحتىّ أيّ منهم .

إنتقل صالح عليه السلام بقومه إلى المكان الذي ستبنى به الكعبة لاحقا . عاش هناك المؤمنون  بسلام مع نبيّهم صالح عليه السلام إلى أن توفي عن عمر يناهز 200 عام .

فليبارك الله عزّ وجلّ صالح عليه السلام وليمنحه السلام .     

 
  3100443 visitors