بسم الله الرحمن الرحيم
إنتقل النور ليوسف عليه السلام
عندما إنتشل تجّار العبيد يوسف عليه السلام من البئر عرفوا بأنّهم وجدوا كنزا كبيرا . فهم لم يروا في حياتهم ولد في هذا الجمال . فالنور كان يشعّ منه مثل الهالة التي تحيط بالشمس . يقال أنّ الله عزّ وجلّ قد أعطى يوسف عليه السلام تسعين في المئة من الجمال الذي وضعه في العالم بأكمله .
قرّ ر تجّار العبيد أن يأخذوا يوسف عليه السلام إلى مصر ليبيعوه بثمن عال . لذا نظّفوه وألبسوه أفضل الثياب وعرضوه في السوق . رأى أحد أمراء مصر يوسف عليه السلام فإشتراه لزوجته زليخة رضي الله عنها . كان الأمير يفكّر في تبنّي يوسف عليه السلام , لذا دفع ثقله ذهبا وأخذه معه إلى البيت .
عندما دخل الأمير برفقة يوسف عليه السلام إلى البيت تلهّفت زليهة رضي الله عنها . فعندما كانت طفلة حلمت بهذا الطفل , وقد وقعت بحبّه منذ ذلك الوقت . لكن أهلها زوّجوها من الأمير المسن رغما عن إرادتها ,بالرغم من ذلك بقيت وفيّة لحبّ يوسف عليه السلام . والآن هو أمامها , طفل صغير وممكن أن يصبح إبنها . ذهبت زليخة رضي الله عنها إلى غرفتها وأخذت تبكي لأنّه لا يوجد مخرج لحالتها وقرّرت أن تبقي مشاعرها لنفسها وتنتظر كيف تنتهي الأمور .
لم يتبنّوا يوسف عليه السلام لكنّه كبر في بيتهم وأصبح شابا أمام أعين زليخة رضي الله عنها . عندما كبر وأصبح شابا جميلا لم تستطع زليخة عليها السلام أن تسيطر على نفسها . في يوم من الأيّام أتت إليه ليس كأمّ بل كعاشقت . لقد كانت إمرأة جميلة وخاف يوسف عليه السلام أن يفعل شيء يغضب الله عزّ وجلّ . فهرب منها بينما كانت تحاول أن تلتقطه بقميصه من خلاف .
كان زوج زليخة عليها السلام في الغرفة المجاورة عندما سمع الفوضى . حاولت زليخة عليها السلام أن تضع اللوم على يوسف عليه السلام . لكن أحد الخدم نصح الأمير بأنّه إذا وجد بأنّ قميص يوسف عليه السلام قد مزّق من أمام فزليخة رضي الله عنها محقّة . أمّا إذا كان قميصه قد مزّق من خلاف فمعناه أنّ يوسف عليه السلام محقّ . غضب الأمير من زليخة رضي الله عنها وعرف سكّان المدينة بما فعلت وشعرت بالخجل الكبير .
دعت زليخة رضي الله عنها عدد من النساء في المدينة إلى العشاء . في نهاية العشاء قدّمت لهم القليل من الفواكه ومع كلّ منهم سكّينة صغيرة . عندما دخل يوسف عليه السلام إلى الغرفة دهش النساء بجماله لدرجة أنّهنّ قطّعن أيديهنّ دون أن يشعرن بذلك . وهكذا توقف النساء عن الثرثرة على زليخة رضي الله عنها بعد ما أصابهم عندما رأين يوسف عليه السلام .
بدأ يوسف عليه السلام يضع غطاء على وجهه , لكن نور محمّد صلّى الله عليه وسلّم إستمرّ ينير ما حوله . أصبح من الصعب على يوسف عليه السلام أن يعيش في البيت نفسه مع زليخة رضي الله عنها , لذا دعا الله عزّ وجلّ أن يحميه من إرتكاب المعاصي . وردا على طلبه جعل الله عزّ وجلّ الناس يضعوا يوسف عليه السلام في السجن بسبب المشاكل الذي يسبّبه جماله لدى النساء .
حزنت زليخة رضي الله عنها لخسارة يوسف عليه السلام وأصيبت بالجنون من حزنها عليه . توفي الأمير فوهبت زليخة رضي الله عنها أموالها للناس وذهب جمالها وأخذت تجوب الطرقات تفتّش عن أخبار جديدة عن يوسف عليه السلام . لكن كان الجميع قد نسي يوسف عليه السلام .
كان يوسف عليه السلام فرحا في السجن . فقد كان يعبد الله عزّ وجلّ بأمان . فنوره جلب السعادة والأمل للأرواح المعذّبة في السجن . كذلك الحرّاس أحبّوه وأعطوه عناية خاصة .
أعطى الله عزّ وجلّ يوسف عليه السلام القدرة على تفسير الحلام . في يوم من الأيّام أخبره سجينين حلمهما , فأخبرهما تفسيره وتحقق ما قاله . فواحد منهما أعدم والآخر أطلق سراحه . أمّا الذي أفرج عنه أصبح خادما عند الملك .
بعد بضعة سنين حلم الملك بحلم أزعجه جدا . طلب الملك من أعوانه أن يخبروه عن تفسير هذا الحلم . تذكّر الخادم يوسف عليه السلام . عندها طلب الملك من حرّاسه أن يأتوا له بيوسف عليه السلام من السجن .
بقدرة الله عزّ وجلّ إستطاع يوسف عليه السلام أن يفهم الحلم ويفسّره له . كان تفسير الحلم ما يلي : ستأتي على البلاد سبع سنوات يحصد فيها الناس الكثير من الزرع ثمّ تليهم سبع سنين جافة . عندها نصح يوسف عليه السلام الملك أن يدّخرالكثير من الطعام في السنين السبع الأولى ثمّ يتمّ توزيعها بكميّات قليلة في سنين الجفاف . تأثّر الملك بتفسير يوسف عليه السلام ونصيحته وأطلق سراحه من السجن وجعله المسؤول عن أعوانه والمدير على المستودعات .
لقد تحقّقت نبوءة يوسف عليه السلام . فقد جاءت سبع سنين ملؤها الخير وتبعتها بسبع سنين جافة . وبما أنّ الملك سمع بنصيحة يوسف عليه السلام جاء الناس من مختلف الأنحاء إلى مصر لشراء الطعام . في يوم من الأيّام قدم أناس ليس غريبي الوجه على يوسف عليه السلام . لقد كانوا إخوته العشرة . عرف يوسف عليه السلام إخوته لكنّهم لم يعرفوه .
تحدّث يوسف عليه السلام مع إخوته وسألهم عن أحوالهم . فأخبروه بأنّهم تركوا في البيت أبا ضريرا من شدّة بكائه على طفل مات له , وبأنّ لهم أخ صغير يبقيه أباهم بجانبه يذكّره بإبنه الذي فقده . أعطاهم يوسف عليه السلام وفرة من الحبوب وطلب منهم أن يجلبوا معهم أخاهم في المرّة القادمة . ذهب إخوة يوسف عليه السلام إلى البيت وترجّوا والدهم يعقوب عليه السلام أن يبعث معهم أخاهم الصغير بن يمين رضي الله عنه إلى مصر . تردّد يعقوب عليه السلام أولا لكنّه قبل في النهاية .
عاد الأولاد الإحدى عشر إلى مصر . أعطاهم يوسف عليه السلام كميات كبيرة من الحبوب لكنّه وضع في كيس بن يمين عليه السلام الكأس الذهبي للملك . فتّش الحرّاس عند البوّابة أمتعة الأخوة فوجدوا الكأس الذهبي للملك في متاع بن يمين رضي الله عنه . إكتأب الأولاد عندما أدخل بن يمين رضي الله عنه إلى السجن , وبدأ الندم يأكلهم من الداخل على الغلطة التي إرتكبوها سابقا . فكيف لهم أن يواجهوا والدهم الآن ويقولوا له بأنّهم فقدوا إبنه العزيز عليه . حاول الأخوة إقناع يوسف عليه السلام بإستبدال أحدهم بأخاهم لكنّه رفض وطلب منهم أن يعودوا ثانية برفقة أبيهم . وقبل ذهابهم أعطاهم هدية لأبيهم وهي إحدى قمصان يوسف عليه السلام .
عندما غادر الأولاد ذهب يوسف عليه السلام إلى أخيه بن يمين عليه السلام وأخبره بالحقيقة وإصطحبه إلى القصر .
أسرع الأولاد إلى البيت يعانون من العذاب وكيف عليهم أن يقولوا حقيقة ما مضى . فقد خافوا على والدهم إذا أخبروه بما حلّ ببن يمين عليه السلام . لكن قبل أن يصل الأخوة إشتمّ يعقوب عليه السلام رائحة إبنه يوسف عليه السلام . سلّم الأولاد على الأبّ وأعطوه هدية الملك . ما أن وضع يعقوب عليه السلام القميص على وجهه حتّى إستعاد نظره . وبسرعة وضّب الأخوة أمتعتهم وخيمهم ونساءهم وأطفالهم وحيواناتهم وذهبوا إلى مصر .
عندما رأى يعقوب عليه السلام ويوسف عليه السلام بعضهما البعض سقطا كلاهما من شدّة الفرح على ركبهم وبقيا على هذا الحال لمدّة ثلاث ساعات . أثّر المشهد بأهل مصر وأهل السماوات الذين زرفوا الدموع من هول هذا المنظر . ثمّ طلب الأخوة من يوسف عليه السلام أن يسامحهم , فسامحهم من قلبه . دعا يوسف عليه السلام أخوته أن يبقوا في مصر حيث أصبح يوسف عليه السلام ملكا , وأصبح جميع شعبه يؤمنون بإله واحد .
لكن القصّة لا تنتهي عند هذا الحدّ . ففي يوم من الأيّام كان يوسف عليه السلام يقوم بجولة في المدينة فرأى إمرأة عجوز مجنونة في الشارع . طلبت المرأة من يوسف عليه السلام أن يصلّي لله عزّ وجلّ ليحقّق لها ما تطلبه . من باب اللطف دعا لها يوسف عليه السلام . فجأة تحوّلت المرأة العجوز إلى شابة جميلة . والمرأة كانت زليخة رضي الله عنها . وبأمر من الله عزّ وجلّ تزوّج يوسف عليه السلام من زليخة رضي الله عنها ورزقا إحدى عشر صبيا . أمّا إخوته الباقون فرزق كلّ منهم إثنا عشر صبي وقد كان لهم مراعيهم وماءهم الخاص , وعاشوا مع بعضهم البعض بحبّ وسلام
فليبارك الله عزّ وجلّ بيوسف عليه السلام وليمنحه السلام .