شمس الشموس
  سليمان عليه السلام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنتقل النور إلى سليمان عليه السلام

عندما توفي داوود عليه السلام جاء جبريل عليه السلام إلى سليمان عليه السلام طارحا عليه سؤال من الله عزّ وجلّ " أتود أن تكون ملكا على الأرض أو تود أن تلمّ بالعلم الإلهي ؟ " .  يقال أنّ ثلاث أرباع الحكمة التي أعطيت للناس بأجمعها أعطيت لسليمان الحكيم , لذلك فضّل عليه االسلام علم الله عزّ وجلّ على ملوكيته على العالم المادي . فرح الله عزّ وجلّ بجواب سليمان عليه السلام فمنحه المملكة والعلوم .

منح الله عزّ وجلّ سليمان عليه السلام في يوم الجمعة الموافق العاشر من محرّم  خاتم القوّة الذي كان يشعّ كنجمة في السماء . هذا الخاتم كان يملكه آدم عليه السلام عندما كان في الجنّة , لكنّه فقده عندما ذهب منها .

 قبل أن يخرج على قومه وضع سليمان عليه السلام على رأسه عمّامة والده داوود عليه السلام  وحمل عصا موسى عليه السلام في يده , رفع راية يوسف عليه السلام ووضع خاتم آدم عليه السلام في إصبعه . خرج سليمان عليه السلام على قومه بهيأة ملوكية آمرا ما يرى وما لا يرى وبإذن الله عزّ وجلّ . لقد كان أعظم سلطان عرفه العالم .

 كانت الرياح تهب بأمره وتأخذه حيث يشاء . كان حاكما للجن الذين كانوا يجلبوا له من ثروات ما في الأرض وما تحت البحار ويصيغوا له أجمل الأشياء . صنع له الجن سجّادة طولها ثلاث أميال مكعّبة مغطاة برسوم جميلة ورموز سحرية . وضعواعلى هذه السجّادة عرش سليمان عليه السلام محاطا بألفين مقعد للرجال المقدّسين والمتنبئن الذين كان يأخذ بنصيحتهم . وخلفهم كان صفا يتضمّن إثنا عشر ألف مقعد للمعلّمين والكهنة . وكان هناك سبعين ألف مكان للصلاة مختصّة بالقدّيسين والدراويش الذين كانوا يصلّوا لله عزّ وجلّ بإستمرار ويقوموا بالذكر . وكانت هذه السجاّدة تنقل النبي سليمان عليه السلام أينما كان يريد .

كان سليمان عليه السلام يزور على هذه السجّادة جميع أسقاع الأرض ليتأمّل روعة الخالق في خلقه . وفي رحلاته كان يعلّم الناس الذي يراهم وحدانية الله عز وجلّ وقانونه  .

عرف حكم سليمان عليه السلام بالعدل الأسطوري . عندما كان طفلا كان سليمان مهتما بمهنة السلطان  . فكان يجلس في مجلس والده ويستمع إلى ما يدور في ذلك المجلس ,ثمّ يمثّل مع أصحابه ما رآه في ذاك المجلس . في لعبته كان سليمان عليه السلام يصدر أحكاما أفضل من تلك التي تصدر في مجلس والده . فكان والده يختبئ ويستمّع إلى ما يقوله سليمان عليه السلام . بهذه الطرقة إستطاع داوود عليه السلام أن يأخذ النصيحة من إبنه الصغير .

لقد كان سليمان عليه السلام قادرا على التكلّم مع جميع المخلوقات . في يوم من الأيّام وبينما كان يتنقّل مع جنوده سمع نملة تحذّر أصحابها للهرب قبل أن يداسوا بأقدام جيش سليمان عليه السلام . لكن سليمان عليه السلام أمر جيشه أن يحوّلوا خطّ مسيرهم حتّى لا يأذوا النمل .

كان سليمان عليه السلام يجتمع بإنتظام مع الطيور . فكانوا يخبروه بحال مملكته كما يروها من الهواء . في يوم من الأيّام إستفقد سليمان عليه السلام طير الهدهد . عندما عاد أخبره الهدهد بأنّه رأى مملكة  عظيمة في الجنوب . كانت الحاكمة ملكة جميلة وحكيمة تدعى بلقيس رضي الله عنها , لكنّها وشعبها كانوا يعبدوا الشمس . أرسل لها سليمان عليه السلام مباشرة رسالة مع الهدهد يدعوها لزيارته وليعلّمها عن الله خالقها .  

خافت بلقيس رضي الله عنها أن يأتي سليمان عليه السلام بجنوده ويحطّم  بلدها ويقتل شعبها فأرسلت له هدية ,تتضمن ألواح من الذهب والفضّة , لآلئ كبيرة وحلى لا تقدّر بثمن . عندما وصلت الهدايا إلى سليمان عليه السلام ردّها لها , وأرسل لها رسالة تتضمن بأنّه ما عرضه عليها من علم الله عزّ وجلّ يفوق بقيمته جميع الأشياء المادية التي بعثته له . وإسترسل قائلا لها بأنّ الهدية التي يتمنّاها منها هو حضورها إلى قصره والإيمان بالله عزّ .

عرفت بلقيس رضي الله عنها أنّ سليمان عليه السلام  ليس بالملك العادي . لكنها كانت فخورة بنفسها وتعتقد أنّ الطريقة التي تفكّر بها هي الأصح . فجمعت جيشها وإتجّهت نحو الشمال .

بنى سليمان عليه السلام قصرا خاصا لإستقبال بلقيس رضي الله عنها . فأمر الجن أن يرصفوا عشرين ألف ميلا ببلاط من الذهب والفضّة بتصميم معقّد . على طوله الطريق نشر الجن ,العفايت , التنين والوحوش . وفي الوسط وضع عرشه . وكان هناك صالة رائعة أرضها مصنوعة من الكريستال الشفاف الذي يشبه الماء يؤدّي لهذا القصر المذهل .

عندما رأت بلقيس رضي الله عنها الصالة خافت لأنّها إعتقدت أنّ هذا سحر . بعد بعض التردد تغلّبت على خوفها ووثقت بقلبها ورفعت فستانها قليلا لتتقدم في مشيها على الأرض التي إعتقدت بأنّها ماء . عندها تبيّن لها أن عيناها قد خاناها وأنّ الأشياء ليسوا كما يبدوا لها . فلم تتبلّل قدماها ووصلت بسلام إلى عرش سليمان عليه السلام . ثمّ رأت أمامها عرش كعرشها  الذي تركته وراءها في قصرها في الجنوب . سألها سليمان عليه السلام إذا ما كان عرشها فأجابته وبتأن , وبعد أن عرفت بأنه ليس كلّ ما تراه العين هو شيء صحيح , بأنّه يشبه العرش الذي تركته في قصرها .

 فهم سليمان عليه السلام من خلال إجابتها بأنّها تواضعت  فظهر عليها من خلف ستار عرشه وألقى التحيّة عليها . شعرت بلقيس رضي الله عنها بالإرتياح  عند رؤية النور يسطع من جبهة سليمان عليه السلام فقبلت به نبيا وبالله الواحد الأحد , ثمّ تزوّجا لاحقا.

كان داوود عليه السلام قد شرع في بناء مسجد في القدس لكنّه لم يكمل بناءه . تابع سليمان عليه السلام بناء الجامع بعد موت والده فسخّر كلّ الكنوز التي كانت تحت تصرّفه لإتمام هذا العمل . أمر الجن أن يعملوا ليلا ونهارا لبناء وتزيين هذا البناء . عندما إقترب وقت موته طلب سليمان عليه السلام من الله عزّ وجلّ أن يسمح له بإكمال عمله لأنّه يعرف بأنّ الجن سيتوقّفوا عن العمل إذا ما عرفوا بوفاته . توفّى الله عزّ وجلّ سليمان عليه السلام بينما هو واقف يتّكئ على عصاه ناظرا من النافذة إلى الجامع . إعتقد الجن بأنّه مازال على قيد الحياة فإستمرّوا في عملهم . في اليوم الذي تمّ به إنهاء الجامع سمح الله عزّ وجلّ للعصا التي أكلها الدود أن تتفتت إلى غبار . لكنّها لم تكن عصا موسى عليه السلام التي أزالها الله عزّ وجلّ وخبأها في مكان مخفي .

لاحظ الناس أنّ سليمان عليه السلام قد غادرهم . لم يعرف أيّ منهم أين دفن , لكن سليمان عليه السلام طلب من الله عزّ وجلّ أن يغفر الخطايا السابقة لأيّ إنسان يصلّي ركعتان على مرأى من هذا الجامع .

فليبارك الله بسليمان عليه السلام وليمنحه السلام .   

 
  3100456 visitors